٢١٠ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «قُلْت لِبِلَالٍ: كَيْفَ رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُصَلِّي؟ قَالَ: يَقُولُ هَكَذَا، وَبَسَطَ كَفَّهُ». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
إذَا أَتَيْته وَهُوَ يُصَلِّي تَنَحْنَحَ لِي] رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ، وَقَدْ رُوِيَ بِلَفْظِ: سَبَّحَ مَكَانَ تَنَحْنَحَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّنَحْنُحَ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِلصَّلَاةِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ النَّاصِرُ وَالشَّافِعِيُّ عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ: أَنَّهُ مُفْسِدٌ إذَا كَانَ بِحَرْفَيْنِ فَصَاعِدًا، إلْحَاقًا لِلْكَلَامِ الْمُفْسِدِ؛ قَالُوا: وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ اضْطِرَابٌ، وَلَكِنْ قَدْ سَمِعْت أَنَّ رِوَايَةَ تَنَحْنَحَ صَحَّحَهَا ابْنُ السَّكَنِ، وَرِوَايَةُ سَبَّحَ ضَعِيفَةٌ، فَلَا تَتِمُّ دَعْوَى الِاضْطِرَابِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثَانِ مَعًا لَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ تَارَةً يُسَبِّحُ، وَتَارَةً يَتَنَحْنَحُ صَحِيحًا.
وَعَنْ " ابْنِ عُمَرَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «قُلْت لِبِلَالٍ: كَيْفَ رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرُدُّ عَلَيْهِمْ؟ أَيْ عَلَى الْأَنْصَارِ كَمَا دَلَّ لَهُ السِّيَاقُ حِينَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي؟ قَالَ: يَقُولُ هَكَذَا، وَبَسَطَ كَفَّهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى قُبَاءَ يُصَلِّي فِيهِ، فَجَاءَتْ الْأَنْصَارُ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَقُلْت لِبِلَالٍ: كَيْفَ رَأَيْت؟» الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ سَأَلَ صُهَيْبًا عَنْ ذَلِكَ " بَدَلَ بِلَالٍ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحَانِ جَمِيعًا.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ أَحَدٌ عَلَى الْمُصَلِّي رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ بِإِشَارَةٍ دُونَ النُّطْقِ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ «جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ لِحَاجَةِ، قَالَ: ثُمَّ أَدْرَكْته وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَشَارَ إلَيَّ، فَلَمَّا فَرَغَ دَعَانِي وَقَالَ: إنَّك سَلَّمْتَ عَلَيَّ فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ بَعْدَ الرَّدِّ بِالْإِشَارَةِ». وَأَمَّا «حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا ذَكَرَ الْإِشَارَةَ بَلْ قَالَ لَهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ إنَّ فِي الصَّلَاةِ شَغْلًا» إلَّا أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِهِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْمَأَ لَهُ بِرَأْسِهِ»
، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمُصَلِّي، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ؛ إلَى أَنَّهُ يَرُدُّ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ؛ وَقَالَ قَوْمٌ يَرُدُّ فِي نَفْسِهِ؛ وَقَالَ قَوْمٌ: يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ، كَمَا أَفَادَهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَهَذَا هُوَ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ لِلدَّلِيلِ، وَمَا عَدَاهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ دَلِيلٌ. قِيلَ: وَهَذَا الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ اسْتِحْبَابٌ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ عَلَى " ابْنِ مَسْعُودٍ "، بَلْ قَالَ لَهُ: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ شَغْلًا».
قُلْت: قَدْ عَرَفْت مِنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَيْهِ عَنْ الرَّدِّ بِاللَّفْظِ»؛؛ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ يَرُدُّ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا حَرُمَ الْكَلَامُ رَدَّ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِشَارَةِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ «أَنَّ اللَّهَ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ»، فَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: " يَرُدُّ بِاللَّفْظِ، مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَذَا أَيْ أَنَّ اللَّهَ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ الِاعْتِذَارِ عَنْ رَدِّهِ عَلَى " ابْنِ مَسْعُودٍ " السَّلَامَ بِاللَّفْظِ، وَجَعَلَ رَدَّهُ السَّلَامَ فِي الصَّلَاةِ كَلَامًا، وَأَنَّ اللَّهَ نَهَى عَنْهُ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَنْ سَلَّمَ عَلَى الْمُصَلِّي لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا: يَعْنِي بِالْإِشَارَةِ وَلَا بِاللَّفْظِ، يَرُدُّهُ رَدُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَنْصَارِ، وَعَلَى " جَابِرٍ " بِالْإِشَارَةِ، وَلَوْ كَانُوا لَا يَسْتَحِقُّونَ لَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْإِشَارَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute