٤١ - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطَهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الْفَرَسِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ [مِنْ أَثَرِ الْوَضُوءِ] بِفَتْحِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ الْمَاءُ، وَيَجُوزُ الضَّمُّ عِنْدَ الْبَعْضِ كَمَا تَقَدَّمَ [فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ]: أَيْ تَحْجِيلَهُ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْآخِرَةِ، وَآثَرَ الْغُرَّةَ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى التَّحْجِيلِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ لِشَرَفِ مَوْضِعِهَا؛ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ [فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ فَلْيَفْعَلْ] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، وَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ قَوْلَهُ: فَمَنْ اسْتَطَاعَ إلَى آخِرِهِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، إذْ هُوَ فِي قَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا مَا قَيَّدَهُ بِهَا؛ إذْ الِاسْتِطَاعَةُ لِذَلِكَ مُتَحَقِّقَةٌ قَطْعًا. وَقَالَ " نُعَيْمٌ " أَحَدُ رُوَاتِهِ: لَا أَدْرِي قَوْلَهُ: مَنْ اسْتَطَاعَ إلَخْ: مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ مِنْ قَوْلِ " أَبِي هُرَيْرَةَ "؟ وَفِي الْفَتْحِ: لَمْ أَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي رِوَايَةِ أَحَدٍ مِمَّنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ عَشَرَةٌ، وَلَا مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ " غَيْرَ رِوَايَةِ " نُعَيْمٍ " هَذِهِ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ إطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ؛ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ: فِي الْيَدَيْنِ إلَى الْمَنْكِبِ، وَفِي الرِّجْلَيْنِ إلَى الرُّكْبَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا عَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ " رِوَايَةً وَرَأْيًا، وَثَبَتَ مِنْ فِعْلِ " ابْنِ عُمَرَ "، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَقِيلَ: إلَى نِصْفِ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ، وَالْغُرَّةِ فِي الْوَجْهِ أَنْ يَغْسِلَ إلَى صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتهمَا؛ وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ " أَبِي هُرَيْرَةَ " بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْوُضُوءِ خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الرَّاوِيَ أَعْرَفُ بِمَا رَوَى، كَيْفَ وَقَدْ رُفِعَ مَعْنَاهُ وَلَا وَجْهَ لِنَفْيِهِ، وَقَدْ اُسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِحَدِيثِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: «لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ» وَالسِّيمَا بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ: الْعَلَامَةُ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الْوُضُوءُ لِمَنْ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
قِيلَ: فَاَلَّذِي اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ هُوَ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ.
وَعَنْ " عَائِشَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ» أَيْ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ [فِي تَنَعُّلِهِ] لُبْسِ نَعْلِهِ [وَتَرَجُّلِهِ بِالْجِيمِ، أَيْ مَشْطِ شَعْرِهِ [وَطَهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ] تَعْمِيمٌ بَعْدَ التَّخْصِيصِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute