. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَالْمَعَاصِيَ وَيَتَحَرَّى التَّقْوَى وَالْبِرَّ فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ، وَقَدْ عَدُّوا صُوَرَ اللَّوْثِ مَبْسُوطَةً فِي كُتُبِهِمْ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ): أَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَتْلِ وَكُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ تَثْبُتُ دَعْوَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ الْقَسَامَةَ فَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، فَمِنْهَا الْقِصَاصُ عِنْدَ كَمَالِ شُرُوطِهَا لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «تَسْتَحِقُّونَ قَتِيلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِذِمَّتِهِ» وَقَوْلُهُ (دَمَ صَاحِبِكُمْ) فِي لَفْظِ مُسْلِمٍ " يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِذِمَّتِهِ "، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ " إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ الْحَدِيثَ " يُشْعِرُ بِعَدَمِ الْقِصَاصِ إلَّا أَنَّ هَذَا التَّصْرِيحَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَقْوَى فِي الْقَوْلِ بِالْقِصَاصِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ ثَبَتَ الْقَوَدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ حَلَفُوا وَثَبَتَتْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَازِمَةٌ لِلْوَرَثَةِ ذُكُورًا كَانُوا، أَوْ إنَاثًا عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْهَا أَنْ يُبْدَأَ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ فِي الْقَسَامَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَاوَى كَمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ». وَفِي إسْنَادِهِ لِينٌ إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ قَالُوا وَلِأَنَّ جَنْبَةَ الْمُدَّعِي إذَا قَوِيَتْ بِشَهَادَةٍ، أَوْ شُبْهَةٍ صَارَتْ الْيَمِينُ لَهُ وَهُنَا الشُّبْهَةُ قَوِيَّةٌ فَصَارَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ مُشَابِهًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُتَأَيَّدِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ.
وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِينَ فَيَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ مَا قَتَلْنَاهُ، وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلَهُ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْبُخَارِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَفَتْ فِي ذَلِكَ فِي قِصَّةِ الْأَنْصَارِ وَيَهُودِ خَيْبَرَ فَيُرَدُّ الْمُخْتَلَفُ إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَدُّعِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفُوا فَهَلْ تَلْزَمُهُمْ الدِّيَةُ أَمْ لَا.
ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهَا تَلْزَمُهُمْ الدِّيَةُ بَعْدَ الْأَيْمَانِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُمْ إذَا حَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا بَرِئُوا، وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ قِصَّةُ أَبِي طَالِبٍ الْآتِيَةُ وَاسْتَدَلَّ الْجَمَاعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَمَنْ مَعَهُمْ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ بِأَحَادِيثَ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ رَفْعِهَا عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ. وَقَوْلُهُ (فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ). وَفِي لَفْظِ (أَنَّهُ وَدَاهُ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ) فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ اقْتَرَضَهَا مِنْهَا، وَأَنَّهُ لَمَّا تَحَمَّلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْقَضَاءِ عَنْ الْغَارِمِ لِمَا غَرِمَهُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَلَمْ يَأْخُذْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ وَلَكِنْ جَرَى إعْطَاءُ الدِّيَةِ مِنْهَا مَجْرَى إعْطَائِهَا فِي الْغُرْمِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبِينِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى ذَلِكَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، فَلَا يَصِحُّ، فَإِنَّ غَارِمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ كَذَا قِيلَ.
قُلْت:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute