للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِأَنَّ الْأَيْمَانَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي إثْبَاتِ الدِّمَاءِ وَبِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَى مَا عُلِمَ قَطْعًا، أَوْ شُوهِدَ حِسًّا " وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْكُمْ بِهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ حُكْمًا جَاهِلِيًّا فَتَلَطَّفَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُرِيَهُمْ كَيْفَ لَا يَجْرِي الْحُكْمُ بِهَا عَلَى أُصُولِ الْإِسْلَامِ. وَبَيَانُ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا لَهُ: وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَحْضُرْ وَلَمْ نُشَاهِدْ؟ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّ هَذَا الْحَلِفَ فِي الْقَسَامَةِ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ فِيهَا وَشَرْعُهُ بَلْ عَدَلَ إلَى قَوْلِهِ: «يَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ قَالُوا لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ» فَلَمْ يُوجِبْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُبَيِّنْ لَهُمْ أَنْ لَيْسَ لَكُمْ إلَّا الْيَمِينُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا مُسْلِمِينَ كَانُوا، أَوْ غَيْرَهُمْ بَلْ عَدَلَ إلَى إعْطَاءِ الدِّيَةِ مِنْ عِنْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا لَبَيَّنَ وَجْهَهُ لَهُمْ بَلْ تَقْرِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا حَلِفَ إلَّا عَلَى شَيْءٍ مُشَاهَدٍ مَرْئِيٍّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا حَلِفَ فِي الْقَسَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودَ لِلْإِجَابَةِ عَنْ خُصُومِهِمْ فِي دَعْوَاهُمْ فَالْقِصَّةُ مُنَادِيَةٌ بِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مَخْرَجَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، فَهَذَا أَقْوَى دَلِيلٍ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَإِنَّمَا تَلَطَّفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِهَذَا التَّدْرِيجِ الْمُنَادِي بِعَدَمِ ثُبُوتِهَا شَرْعًا وَأَقَرَّهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُمْ لَا يَحْلِفُونَ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَهُ، وَلَا شَاهَدُوهُ، وَلَا حَضَرُوهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ أَنَّ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَكُونَ عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ وَبِذَا تَعْرِفُ بُطْلَانَ الْقَوْلِ بِأَنَّ فِي الْقِصَّةِ دَلِيلًا عَلَى الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ إذْ لَا حُكْمَ فِيهَا أَصْلًا. وَبُطْلَانُ الْجَوَابِ عَنْ كَوْنِهَا مُخَالِفَةً لِلْأُصُولِ بِأَنَّهَا مُخَصَّصَةٌ مِنْ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ لِلْقَسَامَةِ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا مُنْفَرِدَةً مُخَصِّصَةً لِلْأُصُولِ كَسَائِرِ الْمُخَصِّصَاتِ لِلْحَاجَةِ إلَى شَرْعِيَّتِهَا حِيَاطَةً لِحِفْظِ الدِّمَاءِ وَرَدْعِ الْمُعْتَدِينَ.

وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ أَنَّهُ فَرَّعَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِهَا عَنْ الشَّارِعِ فَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهَا لَكَانَ هَذَا جَوَابًا حَسَنًا. وَأَمَّا مَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَضَى بِهَا بَيْنَ نَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى الْيَهُودِ»، فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْقِصَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْضِ بِهَا فِيهِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَقَدْ عَرَفْت مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الدِّيَةَ الْقَاتِلُ لَا الْعَاقِلَةُ كَمَا قَالَ أَبُو طَالِبٍ إمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ أَنَّهَا مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ عَاقِلَتِهِ، أَوْ يَحْلِفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِك، أَوْ تُقْتَلَ وَهُنَا فِي قِصَّةِ خَيْبَرَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لَمْ يَحْلِفُوا وَلَمْ يُسَلِّمُوا دِيَةً وَلَمْ يُطْلَبْ مِنْهُمْ الْحَلِفُ.

وَلَيْسَ هَذَا قَدْحًا فِي رِوَايَةِ الرَّاوِي مِنْ الصَّحَابَةِ بَلْ فِي اسْتِنْبَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَفَادَ حَدِيثُهُ أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ مِنْ قِصَّةِ أَهْلِ خَيْبَرَ وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ قَضَاءٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>