. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الَّذِي يَتَتَبَّعُ الْآثَارَ وَيَعْرِفُهَا وَيَعْرِفُ شَبَهَ الرَّجُلِ بِأَبِيهِ وَأَخِيهِ. وَإِلَى اعْتِبَارِهَا فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مُسْتَدِلِّينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ مَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ التَّقْرِيرَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَقْسَامِ السُّنَّةِ. وَحَقِيقَةُ التَّقْرِيرِ أَنْ يَرَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلًا مِنْ فَاعِلٍ أَوْ يَسْمَعَ قَوْلًا مِنْ قَائِلٍ أَوْ يَعْلَمَ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ تَقَدُّمُ إنْكَارِهِ لَهَا كَمُضِيِّ كَافِرٍ إلَى كَنِيسَةٍ أَوْ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ كَاَلَّذِي كَانَ يُشَاهِدُهُ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَأَذَاهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ كَانَ ذَلِكَ تَقْرِيرًا دَالًّا عَلَى جَوَازِهِ، فَإِنْ اسْتَبْشَرَ بِهِ فَأَوْضَحَ كَمَا فِي هَذِهِ الْقِصَّة فَإِنَّهُ اسْتَبْشَرَ بِكَلَامِ مُجَزِّزٍ فِي إثْبَاتِ نَسَبِ أُسَامَةَ إلَى زَيْدٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَقْرِيرِ كَوْنِ الْقِيَافَةِ طَرِيقًا إلَى مَعْرِفَةِ الْأَنْسَابِ، وَبِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَلِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَتَى رَجُلَانِ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كِلَاهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ فَدَعَا قَائِفًا فَنَظَرَ إلَيْهِ الْقَائِفُ فَقَالَ لَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ ثُمَّ دَعَا الْمَرْأَةَ فَقَالَ: أَخْبِرِينِي خَبَرَك: فَقَالَتْ كَانَ هَذَا - لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ - يَأْتِيهَا فِي إبِلٍ لِأَهْلِهَا فَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلٌ ثُمَّ يَنْصَرِفُ عَنْهَا فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دَمًا ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا هَذَا - يَعْنِي الْآخَرَ - فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ، فَكَبَّرَ الْقَائِفُ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ فَإِلَى أَيِّهِمَا شِئْت فَانْتَسِبْ " فَقَضَى عُمَرُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْقِيَافَةِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ تَقْوَى بِهِ أَدِلَّةُ الْقِيَافَةِ، قَالُوا: وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ اللِّعَانِ.
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِفُلَانٍ أَوْ عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِفُلَانٍ» فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْوَصْفِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» فَقَوْلُهُ فَهُوَ لِفُلَانٍ إثْبَاتٌ لِلنَّسَبِ بِالْقِيَافَةِ وَإِنَّمَا مَنَعَتْ الْأَيْمَانُ عَنْ إلْحَاقِهِ بِمَنْ جَاءَ عَلَى صِفَتِهِ. وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِالْقِيَافَةِ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ وَالْحُكْمِ فِي الْوَلَدِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّرِيكَيْنِ أَوْ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْ الزَّوْجَيْنِ.
وَلِلْهَادَوِيَّةِ فِي الزَّوْجَيْنِ تَفَاصِيلُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْفُرُوعِ، وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ مُجَزِّزٍ هَذَا وَقَالُوا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّقْرِيرِ؛ لِأَنَّ نَسَبَ أُسَامَةَ كَانَ مَعْلُومًا إلَى زَيْدٍ وَإِنَّمَا كَانَ يَقْدَحُ الْكُفَّارُ فِي نَسَبِهِ لِاخْتِلَافِ اللَّوْنِ بَيْنَ الْوَلَدِ وَأَبِيهِ، وَالْقِيَافَةُ كَانَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ بِإِبْطَالِهَا وَمَحْوِ آثَارِهَا فَسُكُوتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْإِنْكَارِ عَلَى مُجَزِّزٍ لَيْسَ تَقْرِيرًا لِفِعْلِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute