. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جَبْهَتَك " فَكَانَ قَرِينَةً عَلَى حَمْلِ الْأَمْرِ هُنَا عَلَى غَيْرِ الْوُجُوبِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ تَقَدُّمِ هَذَا عَلَى حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ لِيَكُونَ قَرِينَةً عَلَى حَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ، وَأَمَّا لَوْ فُرِضَ تَأَخُّرُهُ لَكَانَ فِي هَذَا زِيَادَةُ شَرْعٍ. وَيُمْكِنُ أَنْ تَتَأَخَّرَ شَرِيعَتُهُ، وَمَعَ جَهْلِ التَّارِيخِ يَرْجِعُ الْعَمَلُ بِالْمُوجِبِ، لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ، كَذَا قَالَهُ الشَّارِحُ.
وَجَعَلَ السُّجُودَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مُذْهِبًا لِلْعِتْرَةِ؛ فَحَوَّلْنَا عِبَارَتَهُ إلَى الْهَادَوِيَّةِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبُهُمْ إلَّا السُّجُودَ عَلَى الْجَبْهَةِ فَقَطْ، كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَلَفْظِ الشَّرْحِ هُنَا.
وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْعِتْرَةُ وَأَحَدُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، انْتَهَى.
وَعَرَفْت أَنَّهُ وَهْمٌ فِي قَوْلِهِ: إنْ أَبَا حَنِيفَةَ يُوجِبُهُ عَلَى الْجَبْهَةِ فَإِنَّهُ يُجِيزُ عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى الْأَنْفِ، وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ؛ ثُمَّ ظَاهِرُهُ وُجُوبُ السُّجُودِ عَلَى الْعُضْوِ جَمِيعُهُ، وَلَا يَكْفِي بَعْضُ ذَلِكَ، وَالْجَبْهَةُ يَضَعُ مِنْهَا عَلَى الْأَرْضِ مَا أَمْكَنَهُ بِدَلِيلِ: " وَتُمَكِّنُ جَبْهَتَك " وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ، لِأَنَّ مُسَمَّى السُّجُودِ عَلَيْهَا يَصْدُقُ بِوَضْعِهَا مِنْ دُونِ كَشْفِهَا، وَلَا خِلَافَ أَنَّ كَشْفَ الرُّكْبَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ، لِمَا يَخَافُ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ.
وَاخْتَلَفَ فِي الْجَبْهَةِ فَقِيلَ يَجِبُ كَشْفُهَا لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ: «أَنَّ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسْجُدُ عَلَى جَنْبِهِ وَقَدْ اعْتَمَّ عَلَى جَبْهَتِهِ فَحَسِرَ عَنْ جَبْهَتِهِ» إلَّا أَنَّهُ قَدْ عَلَّقَ الْبُخَارِيُّ عَنْ الْحَسَنِ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُونَ وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ، وَيَسْجُدُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَلَى عِمَامَتِهِ» وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مَا فِي السُّجُودِ مَوْقُوفًا عَلَى الصَّحَابَةِ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ» مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَمِنْ حَدِيثِ " ابْنِ أَبِي أَوْفَى " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ، وَفِيهِ مَتْرُوكَانِ.، وَمِنْ حَدِيثِ " أَنَسٍ " عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَغَيْرَهَا الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ قَالَ: أَحَادِيثُ «كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ» لَا يَثْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ. يَعْنِي مَرْفُوعًا، وَالْأَحَادِيثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَيْرُ نَاهِضَةٍ عَلَى الْإِيجَابِ، وَقَوْلُهُ " سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ " يَصْدُقُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ عَدَمِ الْحَائِلِ أَظْهَرَ؛ فَالْأَصْلُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ. وَأَمَّا حَدِيثُ خَبَّابٍ «شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا» الْحَدِيثَ؛ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى كَشْفِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَلَا عَدَمِهِ، وَفِي حَدِيثِ " أَنَسٍ " عِنْدَ مُسْلِمٍ: «أَنَّهُ كَانَ أَحَدُهُمْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ مِنْ شِدَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute