. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَوَصِيَّتِي مَكْتُوبَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قِيلَ: لِابْنِ عُمَرَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَلَا تُوصِي قَالَ أَمَّا مَالِي فَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا كُنْت أَصْنَعُ فِيهِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَصِيَّتَهُ وَيَتَعَاهَدُهَا، وَيُنَجِّزُ مَا كَانَ يُوصِي بِهِ حَتَّى وَفَدَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ، وَفِي قَوْلِهِ " أَمَّا مَالِي فَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا كُنْت أَصْنَعُ فِيهِ " مَا يَدُلُّ لِهَذَا الْجَمْعِ، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ " مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ " عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِشَهَادَةٍ.
وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ إنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْوَصِيَّةِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْخَطِّ فِيهَا مِنْ دُونِ شَهَادَةٍ لِثُبُوتِ الْخَبَرِ فِيهَا، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا أَمَرَ الشَّارِعُ بِهَا، وَهِيَ تَكُونُ مِمَّا يَلْزَمُ مِنْ حُقُوقٍ وَلَوَازِمَ كَانَ حَقُّهَا أَنْ تُجَدَّدَ فِي الْأَوْقَاتِ، وَاسْتِصْحَابُ الْإِشْهَادِ فِي كُلِّ لَازِمٍ يُرِيدُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ خَشْيَةَ مُفَاجَأَةِ الْأَجَلِ مُتَعَسِّرٌ بَلْ مُتَعَذِّرٌ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ أَوْ شَرْعِيَّتِهَا بِالْكِتَابَةِ مِنْ دُونِ شَهَادَةٍ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ بِهَا فَدَلَّ عَلَى قَبُولِهَا مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ، وَقَالَ الْجَمَاهِيرُ: الْمُرَادُ مَكْتُوبَةٌ بِشَرْطِهَا، وَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِشْهَادِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الْإِشْهَادِ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَّا بِهِ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَعْرِفَةُ الْخَطُّ فَإِذَا عُرِفَ خَطُّ الْمُوصِي عُمِلَ بِهِ، وَمِثْلُهُ خَطُّ الْحَاكِمِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ الْكُتُبَ يَدْعُو فِيهَا الْعِبَادَ إلَى اللَّهِ، وَتَقُومُ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَكْتُبُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فِي الْمُهِمَّاتِ مِنْ الدِّينِيَّاتِ وَالدُّنْيَوِيَّات، وَيَعْمَلُونَ بِهَا، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالْوِجَادَةِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ دُونِ إشْهَادٍ، وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الْإِيصَاءِ بِشَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْحُقُوقِ، وَنَحْوِهَا لِقَوْلِهِ «لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ»، وَأَمَّا كَتْبُ الشَّهَادَتَيْنِ، وَنَحْوِهِمَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ النَّاسِ فَلَا يُعْرَفُ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ.
وَإِنَّمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ مَوْقُوفًا قَالَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}، وَأَوْصَى مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ، وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، وَضَمِيرُ " كَانُوا " عَائِدٌ إلَى الصَّحَابَةِ إذْ الْمُخْبِرُ صَحَابِيٌّ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لَمْ يُوصِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ فَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ لَمْ يُوصِ قَالُوا لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكُ مَالًا، وَأَمَّا الْأَرْضُ فَقَدْ كَانَ سَبَّلَهَا، وَأَمَّا السِّلَاحُ وَالْبَغْلَةُ فَقَدْ كَانَ أَخْبَرَ أَنَّهَا لَا تُورَثُ كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute