للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٣٩٦ - وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ

غَيْرَهُ بَخِيلًا وَرُبَّمَا صَدَرَ فِعْلٌ مِنْ إنْسَانٍ فَاخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ فَيَقُولُ جَمَاعَةٌ: إنَّهُ بَخِيلٌ وَيَقُولُ آخَرُونَ: لَيْسَ بَخِيلًا فَمَاذَا حَدُّ الْبُخْلِ الَّذِي يُوجِبُ الْهَلَاكَ، وَمَا حَدُّ الْبَذْلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعَبْدُ بِهِ صِفَةَ السَّخَاوَةِ وَثَوَابَهَا (قُلْت) السَّخَاءُ هُوَ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَالْوَاجِبُ وَاجِبَانِ: وَاجِبُ الشَّرْعِ، وَهُوَ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الزَّكَاةِ وَالنَّفَقَاتِ لِمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ إنْفَاقُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَوَاجِبُ الْمُرُوءَةِ، وَالْعَادَةِ. وَالسَّخِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا يَمْنَعُ وَاجِبَ الشَّرْعِ وَلَا وَاجِبَ الْمُرُوءَةِ، فَإِنْ مَنَعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَهُوَ بَخِيلٌ لَكِنَّ الَّذِي يَمْنَعُ وَاجِبَ الشَّرْعِ أَبْخَلُ، فَمَنْ أَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ مَثَلًا وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ بِطِيبَةِ نَفْسِهِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ الْخَبِيثَ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ، فَهُوَ سَخِيٌّ. وَالسَّخَاءُ فِي الْمُرُوءَةِ أَنْ يَتْرُكَ الْمُضَايَقَةَ وَالِاسْتِقْصَاءَ فِي الْمُحَقَّرَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَقْبَحٌ وَيَخْتَلِفُ اسْتِقْبَاحُهُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَالْأَشْخَاصِ، وَتَفْصِيلُهُ يَطُولُ فَمَنْ أَرَادَ اسْتِيفَاءَ ذَلِكَ رَاجَعَ الْإِحْيَاءَ لِلْغَزَالِيِّ. - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَاعْلَمْ أَنَّ الْبُخْلَ دَاءٌ لَهُ دَوَاءٌ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ إلَّا وَلَهُ دَوَاءٌ، وَدَاءُ الْبُخْلِ سَبَبُهُ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: حُبُّ ذَاتِ الْمَالِ وَالشَّغَفِ بِهِ وَبِبَقَائِهِ لَدَيْهِ، فَإِنَّ الدَّنَانِيرَ مَثَلًا رَسُولٌ تَنَالُ بِهِ الْحَاجَاتُ وَالشَّهَوَاتُ فَهُوَ مَحْبُوبٌ لِذَلِكَ، ثُمَّ صَارَ مَحْبُوبًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَصِّلَ إلَى اللَّذَّاتِ لَذِيذٌ، فَقَدْ يَنْسَى الْحَاجَاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَتَصِيرُ الدَّنَانِيرُ عِنْدَهُ هِيَ الْمَحْبُوبَةَ، وَهَذَا غَايَةُ الضَّلَالِ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجَرِ وَبَيْنَ الذَّهَبِ إلَّا مِنْ حَيْثُ تُقْضَى بِهِ الْحَاجَاتُ، فَهَذَا سَبَبُ حُبِّ الْمَالِ وَيَتَفَرَّعُ مِنْهُ الشُّحُّ، وَعِلَاجُهُ بِضِدِّهِ، فَعِلَاجُ الشَّهَوَاتِ الْقَنَاعَةُ بِالْيَسِيرِ وَبِالصَّبْرِ، وَعِلَاجُ طُولِ الْأَمَلِ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَذِكْرِ مَوْتِ الْأَقْرَانِ وَالنَّظَرِ فِي ذِكْرِ طُولِ تَعَبِهِمْ فِي جَمْعِ الْمَالِ، ثُمَّ ضَيَاعِهِ بَعْدَهُمْ وَعَدَمِ نَفْعِهِ لَهُمْ، وَقَدْ يَشُحُّ بِالْمَالِ شَفَقَةً عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ، وَعِلَاجُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ فَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيَنْظُرُ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَخْلُفْ لَهُ أَبُوهُ فَلْسًا.

ثُمَّ يَنْظُرُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ تَرَكَ الشُّحَّ وَبَذَلَ مِنْ مَالِهِ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ وَيَنْظُرُ فِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الْحَاثَّةِ عَلَى الْجُودِ الْمَانِعَةِ عَنْ الْبُخْلِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي عَوَاقِبِ الْبُخْلِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِجَامِعِ الْمَالِ مِنْ آفَاتٍ تُخْرِجُهُ عَلَى رَغْمِ أَنْفِهِ، فَالسَّخَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْإِسْرَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ

وَقَدْ أَدَّبَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَحْسَنَ الْآدَابِ فَقَالَ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} فَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ الْعَبْدُ الْمَالَ أَنْفَقَهُ فِي وُجُوهِ الْمَعْرُوفِ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَيَكُونُ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ أَوْثَقُ مِنْهُ بِمَا هُوَ لَدَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ مَالٌ لَزِمَ الْقَنَاعَةَ وَالتَّكَفُّفَ وَعَدَمَ الطَّمَعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>