١٣٠٠ - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:
فِي لَفْظٍ لِلِافْتِنَانِ وَإِلَّا فَالْفَاعِلُ وَاحِدٌ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ بِلَفْظِ: «أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ، وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ، وَثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إلَّا مَنْ عَدَلَ» وَأَخْرُج الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَرْفَعُهُ «نِعْمَ الشَّيْءُ الْإِمَارَةُ لِمَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَحَلَّهَا، وَبِئْسَ الشَّيْءُ الْإِمَارَةُ لِمَنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا تَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَهَذَا يُقَيِّدُ مَا أُطْلِقَ فِيمَا قَبْلَهُ؛ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ «أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ: إنَّك ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي اجْتِنَابِ الْوِلَايَةِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ فِيهَا بِغَيْرِ أَهْلِيَّةٍ وَلَمْ يَعْدِلْ فَإِنَّهُ يَنْدَمْ عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ إذَا جُوزِيَ بِالْجَزَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا وَعَدَلَ فِيهَا فَأَجْرُهُ عَظِيمٌ كَمَا تَضَافَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَلَكِنْ فِي الدُّخُولِ فِيهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ وَلِذَلِكَ، امْتَنَعَ الْأَكَابِرُ مِنْهَا، فَامْتَنَعَ الشَّافِعِيُّ لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَأْمُونُ لِقَضَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَامْتَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَنْصُورُ فَحَبَسَهُ وَضَرَبَهُ؛ وَاَلَّذِينَ امْتَنَعُوا مِنْ الْأَكَابِرِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ، وَقَدْ عَدَّ فِي النَّجْمِ الْوَهَّاجِ جَمَاعَةً.
(تَنْبِيهٌ) فِي قَوْلِهِ: " سَتَحْرِصُونَ " دَلَالَةً عَلَى مَحَبَّةِ النُّفُوسِ لِلْإِمَارَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ نَيْلِ حُظُوظِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا وَنُفُوذِ الْكَلِمَةِ وَلِذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ طَلَبِهَا كَمَا أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّك إنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وَكِلْت إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت عَلَيْهَا» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ بِالشُّفَعَاءِ وُكِلَ إلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَاَللَّهِ إنَّا لَا نُوَلِّي هَذَا الْأَمْرَ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ» حَرَصَ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ أَرْضَى النَّاسِ وَأَفْضَلِهِمْ فَيُوَلِّيهِ، لِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ طَلَبِ الْإِمَارَةِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ تُفِيدُ قُوَّةً بَعْدَ ضَعْفٍ، وَقُدْرَةً بَعْدَ عَجْزٍ تَتَّخِذُهَا النَّفْسُ الْمَجْبُولَةُ عَلَى الشَّرِّ وَسِيلَةً إلَى الِانْتِقَامِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَالنَّظَرِ لِلصِّدِّيقِ. وَتَتَبُّعِ الْأَغْرَاضَ الْفَاسِدَةِ وَلَا يُوثَقُ بِحُسْنِ عَاقِبَتِهَا. وَلَا سَلَامَةِ مُجَاوِرَتِهَا، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُطْلَبَ مَا أَمْكَنَ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ. فَغَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute