للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فِي الْحُكْمِ بِأَنْوَاعٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مِنْهَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّاظِرُ وَاقِفًا فِي الشَّارِعِ، أَوْ فِي خَالِصِ مِلْكِ الْمَنْظُورِ إلَيْهِ، أَوْ فِي مَسْلَكَةٍ مُنْسَدَّةِ الْأَسْفَلِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَلَا يَجُوزُ مَدُّ الْعَيْنِ إلَى حُرُمِ النَّاسِ بِحَالٍ.

وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا تُفْقَأُ إلَّا عَيْنُ مَنْ وَقَفَ فِي مِلْكِ الْمَنْظُورِ إلَيْهِ وَالْحَدِيثُ مُطْلَقٌ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ رَمْيُ النَّاظِرِ قَبْلَ الْإِنْذَارِ وَالنَّهْيِ. فِيهِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ أَحَدُهُمَا: لَا. وَالثَّانِي: نَعَمْ.

(قُلْت): وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ لَهُ الْحَدِيثُ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ يَخْتِلُ الْمُطَّلِعَ عَلَيْهِ لِيَطْعَنَهُ» وَالْخَتْلُ فَسَّرَهُ فِي النِّهَايَةِ بِقَوْلِهِ يُرَاوِدُهُ وَيَطْلُبُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ لَهُ قَصْدُ الْعَيْنِ بِشَيْءٍ خَفِيفٍ كَالْمِدْرَى وَالْبُنْدُقِيَّةِ وَالْحَصَاةِ لِقَوْلِهِ فَحَذَفْته.

قَالَ الْفُقَهَاءُ: فَأَمَّا لَوْ رَمَاهُ بِالنُّشَّابِ أَوْ بِحَجَرٍ يَقْتُلُهُ فَقَتَلَهُ، فَهَذَا قَتْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ، أَوْ الدِّيَةُ.

وَمِمَّا تَصَرَّفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ أَنَّ هَذَا النَّاظِرَ إذَا كَانَ لَهُ مَحْرَمٌ فِي الدَّارِ، أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ مَتَاعٌ لَمْ يَجُزْ قَصْدُ عَيْنِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ إلَّا مَحَارِمُهُ.

وَمِنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ إلَّا صَاحِبُهَا فَلَهُ الرَّمْيُ إنْ كَانَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ، وَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَجُوزُ رَمْيُهُ.

وَمِنْهَا أَنَّ الْحَرِيمَ إذَا كُنَّ فِي الدَّارِ مُسْتَتِرَاتٍ، أَوْ فِي بَيْتٍ، فَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ قَصْدُ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَى شَيْءٍ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ، وَأَنَّهُ لَا تَنْضَبِطُ أَوْقَاتُ السَّتْرِ وَالتَّكَشُّفِ، وَالِاحْتِيَاطُ حَسْمُ الْبَابِ.

وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ يُقَصِّرْ صَاحِبُ الدَّارِ، فَإِنْ كَانَ بَابُهُ مَفْتُوحًا، أَوْ ثَمَّ كُوَّةٌ وَاسِعَةٌ، أَوْ ثُلْمَةٌ مَفْتُوحَةٌ فَيُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ مُجْتَازًا لَمْ يَجُزْ قَصْدُهُ، وَإِنْ كَانَ وَقَفَ وَتَعَمَّدَ فَقِيلَ لَا يَجُوزُ قَصْدُهُ لِتَفْرِيطِ صَاحِبِ الدَّارِ بِفَتْحِ الْبَابِ وَتَوْسِيعِ الْكُوَّةِ وَقِيلَ يَجُوزُ لِتَعَدِّيهِ بِالنَّظَرِ. وَأُجْرِيَ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا نَظَرَ مِنْ سَطْحِ بَيْتِهِ، أَوْ نَظَرَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْمِئْذَنَةِ لَكِنَّ الْأَظْهَرَ هَاهُنَا عِنْدَهُمْ جَوَازُ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الْفِقْهِيَّةِ دَاخِلًا تَحْتَ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ، فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْهَا وَمَا لَا فَبَعْضُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ فَهْمِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِالْحَدِيثِ وَبَعْضُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقِيَاسِ، وَهُوَ قَلِيلٌ فِيمَا ذُكِرَ انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ صِحَّةُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إنَّهَا تُهْدَمُ الصَّوَامِعُ الْمُحْدَثَةُ الْمُعْوِرَةُ وَكَذَا تَعْلِيَةُ الْمِلْكِ إذَا كَانَتْ مُعْوِرَةً، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الْقَاسِمِ الرَّسِّيُّ، وَهُوَ رَأْيُ عُمَرَ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي فُتُوحِ مِصْرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ أَوَّلُ مَنْ بَنَى غُرْفَةً بِمِصْرَ خَارِجَةُ بْنُ حُذَافَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " سَلَامٌ عَلَيْك أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ خَارِجَةَ بْنَ حُذَافَةَ بَنَى غُرْفَةً وَلَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَاتِ جِيرَانِهِ، فَإِذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَاهْدِمْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالسَّلَامُ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>