١١٥٢ - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ، وَلَا مُخْتَلِسٍ، وَلَا مُنْتَهِبٍ قَطْعٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ.
إنَّ فُلَانَةَ تَسْتَعِيرُ حُلِيًّا بِإِعَارَتِهَا إيَّاهَا فَمَكَثَتْ لَا تَرَاهُ فَجَاءَتْ إلَى الَّتِي اسْتَعَارَتْ لَهَا فَسَأَلَتْهَا فَقَالَتْ: مَا اسْتَعَرْتُك شَيْئًا؛ فَرَجَعَتْ إلَى الْأُخْرَى فَأَنْكَرَتْ فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا اسْتَعَرْت مِنْهَا شَيْئًا؛ فَقَالَ: اذْهَبُوا إلَى بَيْتِهَا تَجِدُوهُ تَحْتَ فِرَاشِهَا فَأَتَوْهُ، وَأَخَذُوهُ فَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ»
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى جَحْدِ الْعَارِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالظَّاهِرِيَّةِ، وَوَجْهُ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ وَاضِحَةٌ «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَتَّبَ الْقَطْعَ عَلَى جَحْدِ الْعَارِيَّةِ».
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَى الْجُحُودِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّهَا كَانَتْ جَاحِدَةً عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّهَا كَانَتْ سَارِقَةً، وَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي جَحْدِ الْعَارِيَّةِ.
قَالُوا: لِأَنَّ فِي الْآيَةِ فِي السَّارِقِ وَالْجَاحِدِ لَا يُسَمَّى سَارِقًا وَرَدَّ هَذَا ابْنُ الْقَيِّمِ وَقَالَ: إنَّ الْجَحْدَ دَاخِلٌ فِي اسْمِ السَّرِقَةِ قُلْت: أَمَّا دُخُولُ الْجَاحِدِ تَحْتَ لَفْظِ السَّارِقِ لُغَةً فَلَا تُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ اللُّغَةُ وَأَمَّا الدَّلِيلُ فَثُبُوتُ قَطْعِ الْجَاحِدِ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
قَالَ الْجُمْهُورُ: وَحَدِيثُ الْمَخْزُومِيَّةِ قَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ أَنَّهَا سَرَقَتْ، مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مُصَرِّحًا بِذِكْرِ السَّرِقَةِ قَالُوا: فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهَا سَرَقَتْ وَرِوَايَةُ " جَحَدَ الْعَارِيَّةَ " لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ كَانَ لَهَا بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ جَحْدَهَا الْعَارِيَّةَ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خُلُقًا لَهَا مَعْرُوفًا فَعُرِفَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ وَالْقَطْعُ كَانَ لِلسَّرِقَةِ وَهَذَا خُلَاصَةُ مَا أَجَابَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ ثُمَّ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ جُعِلَ الَّذِي ذَكَرَهُ ثَانِيًا رِوَايَةٌ وَهُوَ يَقْتَضِي مِنْ حَيْثُ الْإِشْعَارُ الْعَادِيُّ أَنَّهُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ دَقِيقٍ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا صَنَعَ مَا صَنَعَهُ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ: وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآتِي: -
وَهُوَ قَوْلُهُ (وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ) قَالُوا: وَجَاحِدُ الْعَارِيَّةِ خَائِنٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَامٌّ لِكُلِّ خَائِنٍ وَلَكِنَّهُ مُخَصَّصٌ بِجَاحِدِ الْعَارِيَّةِ وَبِكَوْنِ الْقَطْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute