١٢٦٦ - وَعَنْ جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «شَهِدْت الْأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ بِالنَّاسِ نَظَرَ إلَى غَنَمٍ قَدْ ذُبِحَتْ، فَقَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَنْ لِمَ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وَلِحَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ مَرْفُوعًا «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ» دَلَّ لَفْظُهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالْوُجُوبُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُعْدِمِ وَالْمُوسِرِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مَوْقُوفٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَالثَّانِي ضَعْفٌ بِأَبِي رَمْلَةَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنَّهُ مَجْهُولٌ وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ فَقَدْ فُسِّرَ قَوْلُهُ {وَانْحَرْ} بِوَضْعِ الْكَفِّ عَلَى النَّحْرِ فِي الصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ شَاهِينَ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ رِوَايَاتٌ عَنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَوْ سُلِّمَ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ النَّحْرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ تَعْيِينٌ لِوَقْتِهِ لَا لِوُجُوبِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ إذَا نَحَرْت فَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْحَرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَأُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَنْحَرُ» وَلِضَعْفِ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بَلْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرِهِ شَيْئًا» قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ قَوْلَهُ (فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ) يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَلِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُمِرْت بِيَوْمِ الْأَضْحَى عِيدًا جَعَلَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ. فَقَالَ الرَّجُلُ فَإِنْ لَمْ أَجِدْ إلَّا مَنِيحَةَ أُنْثَى أَوْ شَاةَ أَهْلِي وَمَنِيحَتَهُمْ أَذْبَحُهَا؟ قَالَ: لَا» - الْحَدِيثَ وَلِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرْضٌ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ وَعَدَّ مِنْهَا الضَّحِيَّةَ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِلَفْظِ «كُتِبَ عَلَيَّ النَّحْرُ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ» رُبَّمَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا ضَحَّى قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي» وَأَفْعَالُ الصَّحَابَةِ دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ الْإِيجَابِ. فَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ خَشْيَةَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِمَا وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا حَضَرَ الْأَضْحَى أَعْطَى مَوْلًى لَهُ دِرْهَمَيْنِ فَقَالَ اشْتَرِ بِهِمَا لَحْمًا وَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنَّهُ ضَحَّى ابْنُ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ أَنَّ بِلَالًا ضَحَّى بِدِيكٍ وَمِثْلُهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالرِّوَايَاتُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute