للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَفَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا وَهَذِهِ هِيَ الْمُرَادَةُ فِي حَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُحْلَفَ بِهِ» وَذَلِكَ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالثَّانِي) وَهُوَ مَعْلُومُ الْكَذِبِ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَيُقَالُ لَهَا الزُّورُ وَالْفَاجِرَةُ وَسُمِّيَتْ فِي الْأَحَادِيثِ: يَمِينَ صَبْرٍ وَيَمِينًا مَصْبُورَةً، قَالَ فِي النِّهَايَةِ سُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ فَعَلَى هَذَا هِيَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ بِاَلَّتِي يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ غَمُوسًا إلَّا إذَا اقْتَطَعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا أَنَّ كُلَّ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ كَذِبًا يَكُون غَمُوسًا وَلَكِنَّهَا تُسَمَّى فَاجِرَةً.

(الثَّالِثُ) مَا ظُنَّ صِدْقُهُ وَهُوَ قِسْمَانِ:

الْأَوَّلُ مَا انْكَشَفَ فِيهِ الْإِصَابَةُ فَهَذَا أَلْحَقَهُ الْبَعْضُ بِمَا عُلِمَ صِدْقُهُ إذْ بِالِانْكِشَافِ صَارَ مِثْلَهُ (وَالثَّانِي) مَا ظُنَّ صِدْقُهُ وَانْكَشَفَ خِلَافُهُ وَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ لِأَنَّ وَضْعَ الْحَلِفِ لِقَطْعِ الِاحْتِمَالِ فَكَأَنَّ الْحَالِفَ يَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ مَضْمُونَ الْخَبَرِ وَهَذَا كَذِبٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى ظَنِّهِ.

(الرَّابِعُ) مَا ظُنَّ كَذِبُهُ وَالْحَلِفُ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ (الْخَامِسُ) مَا شَكُّ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ وَهُوَ أَيْضًا مُحَرَّمٌ. فَتَخْلُصُ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَا عَدَا الْمَعْلُومَ صِدْقُهُ. وَقَوْلُهُ مَا الْكَبَائِرُ؟ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ السَّائِلِ أَنَّ فِي الْمَعَاصِي كَبَائِرَ وَغَيْرَهَا.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا كَبَائِرُ. وَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى أَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} وَبِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} (قُلْت) وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى تَسْمِيَةِ شَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي صَغَائِرَ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى إنَّمَا الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ لِاتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ مِنْ الْمَعَاصِي مَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ وَمِنْهَا مَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا (قُلْت) وَفِيهِ أَيْضًا تَأَمُّلٌ، وَقَوْلُهُ (فَذَكَرَ الْحَدِيثَ) ذَكَرَ فِيهِ الْإِشْرَاكَ بِاَللَّهِ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلَ النَّفْسِ وَالْيَمِينَ الْغَمُوسَ.

وَقَدْ تَعَرَّضَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْدِيدِ الْكَبِيرَةِ وَأَطَالَ نَقْلَ أَقَاوِيلِهِمْ فِي ذَلِكَ وَهِيَ أَقَاوِيلُ مَدْخُولَةٌ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ فَلَا يَتِمُّ الْجَزْمُ بِأَنَّ هَذَا صَغِيرٌ وَهَذَا كَبِيرٌ إلَّا بِالرُّجُوعِ إلَى مَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى كِبَرِهِ فَهُوَ كَبِيرٌ وَمَا عَدَاهُ بَاقٍ عَلَى الْإِبْهَامِ وَالِاحْتِمَالِ. وَقَدْ عَدَّ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ الْكَبَائِرَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا بَعْدَ تَتَبُّعِهَا مِنْ النُّصُوصِ فَأَبْلَغَهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَهِيَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالْقَتْلُ وَالزِّنَى (وَأَفْحَشُهُ بِحَلِيلَةِ الْجَارِ) وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ.

وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ، وَالسِّحْرُ، وَالِاسْتِطَالَةُ فِي عَرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَالسَّرِقَةُ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَاسْتِحْلَالُ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>