للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٣٣٨ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَتِهِ لَمَّا أَسَاءَ مِنْ مُشَارَكَتِهِمْ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ» فَقَالَ وَلَهُ وَفَاءٌ. وَالثَّانِي. مِنْ وَجْهَيْ الْجَمْعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِسْعَاءِ أَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَمِرُّ فِي خِدْمَةِ سَيِّدِهِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ رَقِيقًا بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنْ الرِّقِّ.

وَمَعْنَى غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُهُ سَيِّدُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ فَوْقَ مَا يُطِيقُهُ، وَلَا فَوْقَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّقِّ، قِيلَ: إلَّا أَنَّهُ يَبْعُدُ هَذَا الْجَمْعُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَأَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُلُثَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ» قُلْت قَدْ يَقُولُ مَنْ اخْتَارَ هَذَا الْوَجْهَ مِنْ الْجَمْعِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ يَسْعَى عَلَى مَوَالِيهِ بِقَدْرِ ثُلُثَيْ رَقَبَتِهِ مِنْ الْخِدْمَةِ لِأَنَّهُ الَّذِي بَقِيَ قَالَهُمْ. وَإِيضَاحُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا شَرِيكَ لِلَّهِ " فِيمَا إذَا كَانَ مَالك الشِّقْصِ غَنِيًّا فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَالِكَيْنِ فَيُعْتِقُ الْعَبْدَ كُلَّهُ وَيُسَلِّمُ قِيمَةَ مَا هُوَ لِشُرَكَائِهِ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ السِّعَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَيْهَا كَمَا يُرْشِدُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (" غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ ") وَحَدِيثُ " وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ " عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ فَقِيرًا وَالْعَبْدُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى السِّعَايَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ يَمْلِكُ بَعْضَ الْعَبْدِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يَمْلِكُهُ كُلَّهُ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ يُعْتَقُ كُلُّهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ يُعْتَقُ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ الَّذِي عَتَقَ وَيُسْعَى فِي الْبَاقِي وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَحَمَّادٍ. وَحُجَّةُ الْأَوَّلِينَ حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ وَغَيْرُهُ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى عِتْقِ الشِّقْصِ فَإِنَّهُ إذَا سَرَى إلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ فَبِالْأَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ. وَحُجَّةُ الْآخَرِينَ أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ هُوَ مَا يَدْخُلُ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ الضَّرَرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَبْدُ لَهُ جَمِيعُهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ضَرَرٌ فَلَا قِيَاسَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ رَأْيٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ.

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا يَجْزِي ") بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارِعَةِ أَيْ لَا يُكَافِئُ (" وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقُهُ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْتَاقِ بَعْدَهُ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الظَّاهِرِيَّةُ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يُعْتَقُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ فَيُعْتِقُهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ شِرَاؤُهُ تَسَبَّبَ عَنْهُ الْعِتْقُ نُسِبَ إلَيْهِ الْعِتْقُ مَجَازًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَصْلَ الْحَقِيقَةُ إلَّا أَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْ الْحَقِيقَةِ حَدِيثُ سَمُرَةَ الْآتِي وَفِيهِ تَعْلِيقُ الْحُرِّيَّةِ بِنَفْسِ الْمِلْكِ كَمَا يَأْتِي. وَإِنَّمَا كَانَ عِتْقُهُ جَزَاءً لِأَبِيهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ مَا مِنْ بِهِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ لِتَخْلِيصِهِ بِذَلِكَ مِنْ الرِّقِّ فَتَكْمُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>