. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أُمٍّ فَإِنَّهَا تَعُمُّ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْأُمُّ هُنَا إظْهَارًا لِعِظَمِ حَقِّهَا وَإِلَّا فَالْأَبُ مُحَرَّمٌ عُقُوقُهُ، وَضَابِطُ الْعُقُوقِ الْمُحَرَّمِ كَمَا نُقِلَ خُلَاصَتُهُ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ وَهُوَ أَنْ يَحْصُلُ مِنْ الْوَلَدِ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ عُرْفًا فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا مَا إذَا حَصَلَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ فَخَالَفَهُمَا بِمَا لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ مُخَالَفَتُهُ عُقُوقًا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُقُوقًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَثَلًا عَلَى الْأَبَوَيْنِ دَيْنٌ لِلْوَلَدِ أَوْ حَقٌّ شَرْعِيٌّ فَرَافَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُقُوقًا كَمَا «وَقَعَ مِنْ بَعْضِ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ شِكَايَةُ الْأَبِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي احْتِيَاجِهِ لِمَالِهِ فَلَمْ يَعُدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شِكَايَتَهُ عُقُوقًا» (قُلْت) فِي هَذَا تَأَمُّلٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» دَلِيلٌ عَلَى نَهْيِهِ عَنْ مَنْعِ أَبِيهِ عَنْ مَالِهِ وَعَنْ شِكَايَتِهِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الضَّابِطِ: فَعَلَى هَذَا، الْعُقُوقُ أَنْ يُؤْذِيَ الْوَلَدُ أَحَدَ أَبَوَيْهِ بِمَا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ أَبَوَيْهِ كَانَ مُحَرَّمًا مِنْ جُمْلَةِ الصَّغَائِرِ فَيَكُونُ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ كَبِيرَةً، أَوْ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ فِيمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَوْفُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ فَوَاتِ نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، أَوْ مُخَالَفَتُهُمَا فِي سَفَرٍ يَشُقُّ عَلَيْهِمَا وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى الْوَلَدِ أَوْ فِي غَيْبَةٍ طَوِيلَةٍ فِيمَا لَيْسَ لِطَلَبِ عِلْمٍ نَافِعٍ أَوْ كَسْبٍ، أَوْ تَرْكِ تَعْظِيمٍ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَدِمَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقُمْ إلَيْهِ أَوْ قَطَّبَ فِي وَجْهِهِ فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ الْغَيْرِ مَعْصِيَةً فَهُوَ عُقُوقٌ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ.
قَوْلُهُ " وَوَأْدَ الْبَنَاتِ " بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ دَفْنُ الْبِنْتِ حَيَّةً وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَخَصَّ الْبَنَاتَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ مِنْ الْعَرَبِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَرَاهِيَةً لَهُنَّ. يُقَالُ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ التَّيْمِيُّ وَكَانَ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقْتُلُ أَوْلَادَهُ مُطْلَقًا خَشْيَةَ الْفَاقَةِ وَالنَّفَقَةِ.
وَقَوْلُهُ " مَنْعًا وَهَاتِ " الْمَنْعُ مَصْدَرٌ مِنْ مَنَعَ يَمْنَعُ وَالْمُرَادُ مَنْعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ أَنْ لَا يُمْنَعَ وَهَاتِ فِعْلُ أَمْرٍ مَجْزُومٌ وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ طَلَبِ مَا لَا يَسْتَحِقُّ طَلَبَهُ. وَقَوْلُهُ «وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ» يُرْوَى بِغَيْرِ تَنْوِينٍ حِكَايَةً لِلَفْظِ الْفِعْلِ. وَرُوِيَ مُنَوَّنًا وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ، قِيلًا وَقَالًا، عَلَى النَّقْلِ مِنْ الْفِعْلِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ. وَالْمُرَادُ بِهِ نَقْلُ الْكَلَامِ الَّذِي يَسْمَعُهُ إلَى غَيْرِهِ فَيَقُولُ قِيلَ كَذَا وَكَذَا بِغَيْرِ تَعْيِينِ الْقَائِلِ وَقَالَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي الْمُتَكَلِّمَ وَلِكَوْنِهِ قَدْ يَتَضَمَّنُ الْغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ وَالْكَذِبَ وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْإِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْهُ، وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: فِيهِ ثَلَاثَةٌ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ لِلْقَوْلِ نَقُولُ قُلْت قَوْلًا وَقِيلَا. وَفِي الْحَدِيثِ الْإِشَارَةُ إلَى كَرَاهَةِ كَثْرَةِ الْكَلَامِ، ثَانِيهَا إرَادَةُ حِكَايَةِ أَقَاوِيلِ النَّاسِ وَالْبَحْثِ عَنْهَا لِتُخْبِرَ عَنْهَا فَتَقُولَ: قَالَ فُلَانٌ: كَذَا وَقِيلَ لَهُ كَذَا. وَالنَّهْيُ عَنْهُ إمَّا لِلزَّجْرِ عَنْ الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ، وَإِمَّا لِمَا يَكْرَهُهُ الْمَحْكِيُّ عَنْهُ. ثَالِثُهَا أَنَّ ذَلِكَ فِي حِكَايَةِ الِاخْتِلَافِ فِي أُمُورِ الدِّينِ كَقَوْلِهِ قَالَ فُلَانٌ كَذَا وَقَالَ فُلَانٌ كَذَا وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يَأْمَنُ مِنْ الزَّلَلِ، وَهُوَ فِي حَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute