للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اللَّهُ وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبَّك النَّاسُ» قَوْلُهُ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ» أَيْ قَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إمَّا بِإِعْلَامٍ بِأَنَّهُ حَلَالٌ نَحْوُ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} أَوْ سَكَتَ عَنْهُ تَعَالَى وَلَمْ يُحَرِّمْهُ.

فَالْأَصْلُ حِلُّهُ أَوْ بِمَا أَخْبَرَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ حَلَالٌ أَوْ امْتَنَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ حِلُّهُ وَقَوْلُهُ: «وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ» أَيْ بَيَّنَهُ اللَّهُ لَنَا فِي كِتَابِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} أَوْ بِالنَّهْيِ عَنْهُ {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْحَلَالِ بِأَنَّهُ بَيِّنٌ إعْلَامٌ بِحِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي وُجُوهِ النَّفْعِ كَمَا أَنَّ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ إعْلَامٌ بِاجْتِنَابِهِ وَقَوْلُهُ «وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ» الْمُرَادُ بِهَا الَّتِي لَمْ يُعْرَفْ حِلُّهَا وَلَا حُرْمَتُهَا فَصَارَتْ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ عِنْدَ الْكَثِيرِ مِنْ النَّاسِ وَهُمْ الْجُهَّالُ فَلَا يَعْرِفُهَا إلَّا الْعُلَمَاءُ بِنَصٍّ فَمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اجْتَهَدَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ وَأَلْحَقُوهُ بِأَيِّهِمَا بِقِيَاسٍ أَوْ اسْتِصْحَابٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ خَفِيَ دَلِيلُهُ فَالْوَرَعُ تَرْكُهُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ «فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ» أَيْ أَخَذَ بِالْبَرَاءَةِ (لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ لِلْعَالِمِ دَلِيلُ تَحْرِيمِهِ وَلَا حِلِّهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي حُكْمِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، فَمَنْ لَا يُثْبِتُ لِلْعَقْلِ حُكْمًا يَقُولُ لَا حُكْمَ فِيهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ شَرْعِيَّةٌ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِيهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَا حُكْمٌ لِلْعَقْلِ.

وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَقْلَ حَاكِمٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْوَقْفُ. وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْمُتَشَابِهَاتِ هَلْ هِيَ مِمَّا اشْتَبَهَ تَحْرِيمُهُ أَوْ مَا اشْتَبَهَ بِالْحَرَامِ الَّذِي قَدْ صَحَّ تَحْرِيمُهُ رَجَّحَ الْمُحَقِّقُونَ الْأَخِيرَ وَمَثَّلُوا ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ «عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي أَخْبَرَتْهُ أَمَةٌ سَوْدَاءُ بِأَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ وَزَوْجَتَهُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ» فَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ شَرْعًا قَطْعًا وَقَدْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ بِهَذَا الْحَرَامِ الْمَعْلُومِ وَمِثْلُهُ «التَّمْرَةُ الَّتِي وَجَدَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنَّهَا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا» فَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ الْتَبَسَتْ هَذِهِ التَّمْرَةُ بِالْحَرَامِ الْمَعْلُومِ. وَأَمَّا مَا الْتَبَسَ هَلْ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا أَمْ لَا فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ حَلَالٌ مِنْهَا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «إنَّ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ إثْمًا فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ سُؤَالِهِ حَلَالًا وَلَمَّا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ سَأَلَ عَنْهُ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ.

وَمِنْهَا حَدِيثُ «مَا سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ» لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} فَكُلُّ مَا كَانَ طَيِّبًا وَلَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُهُ فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْنَا تَحْرِيمُهُ وَالْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ هُوَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ سَكَتَ عَنْهُ، وَالْخَبِيثُ مَا حَرَّمَهُ وَإِنْ عَدَّتْهُ النُّفُوسُ طَيِّبًا كَالْخَمْرِ فَإِنَّهُ أَحَدُ الْأَطْيَبَيْنِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>