للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَا يُشْتَرَطُ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى أُصُولِهِ وَهِيَ مُبْتَلَّةٌ خِلَافٌ.

فَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ لَا يَجِبُ النَّقْضُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَيَجِبُ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ: [اُنْقُضِي شَعْرَك وَاغْتَسِلِي] وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالنَّقْضِ لِلنَّدْبِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ شَعْرَ " أُمِّ سَلَمَةَ " كَانَ خَفِيفًا، فَعَلِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَصِلُ الْمَاءُ إلَى أُصُولِهِ.

وَقِيلَ: يَجِبُ النَّقْضُ إنْ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ، وَإِنْ وَصَلَ لِخِفَّةِ الشَّعْرِ لَمْ يَجِبْ نَقْضُهُ، أَوْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَشْدُودًا نُقِضَ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّهُ يَبْلُغُ الْمَاءُ أُصُولَهُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ «بُلُّوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ» فَلَا يَقْوَى عَلَى مُعَارَضَةِ حَدِيثِ " أُمِّ سَلَمَةَ ". وَأَمَّا فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِدْخَالُ أَصَابِعِهِ كَمَا سَلَفَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَفِعْلٌ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، ثُمَّ هُوَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ.

وَحَدِيثُ " أُمِّ سَلَمَةَ " فِي غُسْلِ النِّسَاءِ، هَكَذَا حَاصِلُ مَا فِي الشَّرْحِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ " عَائِشَةَ " كَانَ فِي الْحَجِّ، فَإِنَّهَا أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ، فَأَمَرَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَنْقُضَ رَأْسَهَا، وَتُمَشِّطَ، وَتَغْتَسِلَ، وَتُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَهِيَ حِينَئِذٍ لَمْ تَطْهُرْ مِنْ حَيْضِهَا، فَلَيْسَ إلَّا غُسْلَ تَنْظِيفٍ لَا حَيْضٍ، فَلَا يُعَارِضُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ أَصْلًا، فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ التَّآوِيلِ الَّتِي فِي غَايَةِ الرِّكَّةِ، فَإِنَّ خِفَّةَ شَعْرِ هَذِهِ دُونَ هَذِهِ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا مَشْدُودٌ، وَهَذَا خِلَافُهُ - وَالْعِبَارَةُ عَنْهُمَا مِنْ الرَّاوِي بِلَفْظِ النَّقْضِ - دَعْوَى بِغَيْرِ دَلِيلٍ. نَعَمْ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ وَاضِحٌ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْإِفْرَادِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْخَطِيبُ فِي التَّلْخِيصِ وَالضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ مِنْ حَدِيثِ " أَنَسٍ " مَرْفُوعًا: «إذَا اغْتَسَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ حَيْضِهَا نَقَضَتْ شَعْرَهَا نَقْضًا وَغَسَلَتْهُ بِخَطْمِيٍّ وَأُشْنَانٍ، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ مِنْ جَنَابَةٍ صَبَّتْ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهَا صَبًّا وَعَصَرَتْهُ» فَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ إخْرَاجِ الضِّيَاءِ لَهُ، وَهُوَ يَشْتَرِطُ الصِّحَّةَ فِيمَا يُخْرِجُهُ، يُثَمِّرُ الظَّنَّ فِي الْعَمَلِ بِهِ، وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى النَّدْبِ لِذِكْرِ الْخِطْمِيِّ وَالْأُشْنَانِ، إذْ لَا قَائِلَ بِوُجُوبِهِمَا، فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى النَّدْبِ، وَحَدِيثُ " أُمِّ سَلَمَةَ " مَحْمُولٌ عَلَى الْإِيجَابِ كَمَا قَالَ: [إنَّمَا يَكْفِيك] فَإِذَا زَادَتْ نَقْضَ الشَّعْرِ كَانَ نَدْبًا.

وَيَدُلُّ لِعَدَمِ وُجُوبِ النَّقْضِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ: «أَنَّهُ بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عُمَرَ هُوَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَنْقُضْنَ شَعْرَهُنَّ أَفَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ؟ لَقَدْ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فَمَا أَزِيدُ أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إفْرَاغَاتٍ» وَإِنْ كَانَ حَدِيثُهَا فِي غُسْلِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ وَظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ بِالنَّقْضِ فِي حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>