. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
شَيْءٌ كَثِيرٌ فِي ذَمِّ الشِّبَعِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا رِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ «أَكْثَرُهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي جُحَيْفَةَ لَمَّا تَجَشَّأَ فَقَالَ: مَا مَلَأْت بَطْنِي مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً» وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ «وَأَهْلُ الشِّبَعِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْجُوعِ غَدًا فِي الْآخِرَةِ» زَادَ الْبَيْهَقِيُّ «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا عَظِيمَ الْبَطْنِ فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ لَوْ كَانَ فِي غَيْرِ هَذَا لَكَانَ خَيْرًا لَك».
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مُخْتَصَرًا «لَيُؤْتَيَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْعَظِيمِ الطَّوِيلِ الْأَكُولِ الشَّرُوبِ فَلَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}» وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَهُ جُوعٌ يَوْمًا فَعَمَدَ إلَى حَجَرٍ فَوَضَعَهُ عَلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا رُبَّ نَفْسٍ طَاعِمَةٍ نَاعِمَةٍ فِي الدُّنْيَا جَائِعَةٍ عَارِيَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلَا رُبَّ مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ لَهَا مُهِينٌ أَلَا رُبَّ مُهِينٌ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ لَهَا مُكْرِمٌ» وَصَحَّ حَدِيثُ «مِنْ الْإِسْرَافِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْت».
أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ: رَآنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ أَكَلْت فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَمَّا تُحِبِّينَ أَنْ لَا يَكُونَ لَك شُغْلٌ إلَّا جَوْفَك؛ الْأَكْلُ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ مِنْ الْإِسْرَافِ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» وَصَحَّ «كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ» وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ «سَيَكُونُ رِجَالٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْكُلُونَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ وَيَشْرَبُونَ أَلْوَانَ الشَّرَابِ وَيَلْبَسُونَ أَلْوَانَ الثِّيَابِ وَيَتَشَدَّقُونَ فِي الْكَلَامِ فَأُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي».
وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إذَا امْتَلَأَتْ الْمِعْدَةُ نَامَتْ الْفِكْرَةُ وَخَرِسَتْ الْحِكْمَةُ وَقَعَدَتْ الْأَعْضَاءُ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَفِي الْخُلُوِّ عَنْ الطَّعَامِ فَوَائِدُ وَفِي الِامْتِلَاءِ مَفَاسِدُ فَفِي الْجُوعِ صَفَاءُ الْقَلْبِ وَإِيقَادُ الْقَرِيحَةِ وَنَفَاذُ الْبَصِيرَةِ، فَإِنَّ الشِّبَعَ يُورِثُ الْبَلَادَةِ وَيُعْمِي الْقَلْبَ وَيُكْثِرُ الْبُخَارَ فِي الْمَعِدَةِ وَالدِّمَاغِ كَشَبَهِ السُّكْرِ حَتَّى يَحْتَوِيَ عَلَى مَعَادِنِ الْفِكْرِ فَيَثْقُلُ الْقَلْبُ بِسَبَبِهِ عَنْ الْجَرَيَانِ فِي الْأَفْكَارِ وَمِنْ فَوَائِدِهِ كَسْرُ شَهْوَةِ الْمَعَاصِي كُلِّهَا وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، فَإِنَّ مَنْشَأَ الْمَعَاصِي كُلِّهَا الشَّهَوَاتُ، وَالْقُوَى وَمَادَّةُ الْقُوَى الشَّهَوَاتُ وَالشَّهَوَاتُ لَا مَحَالَةَ الْأَطْعِمَةُ فَتَقْلِيلُهَا يُضَعِّفُ كُلَّ شَهْوَةٍ وَقُوَّةٍ، وَإِنَّمَا السَّعَادَةُ كُلُّهَا فِي أَنْ يَمْلِكَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَالشَّقَاوَةُ كُلُّهَا فِي أَنْ تَمْلِكَهُ نَفْسُهُ.
قَالَ ذُو النُّونِ: مَا شَبِعْت قَطُّ إلَّا عَصَيْت أَوْ هَمَمْت بِمَعْصِيَةٍ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَوَّلُ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشِّبَعُ إنَّ الْقَوْمَ لَمَّا شَبِعَتْ بُطُونَهُمْ جَمَحَتْ بِهِمْ نُفُوسُهُمْ إلَى الدُّنْيَا وَيُقَالُ: الْجُوعُ خِزَانَةٌ مِنْ خَزَائِنِ اللَّهِ وَأَوَّلُ مَا يَنْدَفِعُ بِالْجُوعِ شَهْوَةُ الْفَرْجِ وَشَهْوَةُ الْكَلَامِ، فَإِنَّ الْجَائِعَ لَا تَتَحَرَّكُ عَلَيْهِ شَهْوَةُ فُضُولِ الْكَلَامِ، فَيَتَخَلَّصُ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ، وَلَا يَتَحَرَّكُ عَلَيْهِ شَهْوَةُ الْفَرْجِ فَيَخْلُصُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute