. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَغَابَتْ حَلَاوَتُهَا فَثَقُلَتْ فَلَا يَحْمِلَنَّكَ ثِقَلُهَا عَلَى تَرْكِهَا، وَالسَّيِّئَةُ حَضَرَتْ حَلَاوَتُهَا وَغَابَتْ مَرَارَتُهَا فَلِذَلِكَ خَفَّتْ فَلَا تَحْمِلَنَّكَ خِفَّتُهَا عَلَى ارْتِكَابِهَا. وَالْحَدِيثُ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمِيزَانِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَوْزُونِ فَقِيلَ الصُّحُفُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ أَعْرَاضٌ فَلَا تُوصَفُ بِثِقَلٍ وَلَا خِفَّةٍ وَلِحَدِيثِ السِّجِلَّاتِ وَالْبِطَاقَةِ. وَذَهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْمُحَقِّقُونَ إلَى أَنَّ الْمَوْزُونَ نَفْسُ الْأَعْمَالِ وَأَنَّهَا تُجَسَّدُ فِي الْآخِرَةِ، وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُوزَنُ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ فَمَنْ ثَقُلَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ ثَقُلَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ النَّارَ قِيلَ لَهُ: فَمَنْ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ قَالَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ» أَخْرَجَهُ خَيْثَمَةُ فِي فَوَائِدِهِ وَعِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُهُ مَرْفُوعًا. وَالْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُوزَنُ وَأَنَّهُ عَامٌّ لِجَمِيعِهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَخُصُّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لَا سَيِّئَةَ لَهُ وَلَهُ حَسَنَاتٌ كَثِيرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَحْضِ الْإِيمَانِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ الْأَلْفَ. وَيَخُصُّ مِنْهُ الْكَافِرَ الَّذِي لَا حَسَنَةَ لَهُ وَلَا ذَنْبَ لَهُ غَيْرَ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي النَّارِ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا مِيزَانٍ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: الْكَافِرُ مُطْلَقًا لَا ثَوَابَ لَهُ وَلَا تُوضَعُ حَسَنَتُهُ فِي الْمِيزَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ «الْكَافِرُ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ» (وَأُجِيبَ) بِأَنَّ هَذَا مَجَازٌ عَنْ حَقَارَةِ قَدْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْوَزْنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكَافِرَ تُوزَنُ أَعْمَالُهُ أَلَا إنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُفْرَهُ يُوضَعُ فِي كِفَّةٍ وَلَا يَجِدُ حَسَنَةً يَضَعُهَا فِي الْأُخْرَى لِبُطْلَانِ الْحَسَنَاتِ مَعَ الْكُفْرِ فَتَطِيشُ الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا (قَالَ) الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} فَإِنَّهُ وَصَفَ الْمِيزَانَ بِالْخِفَّةِ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ الْعِتْقُ وَالْبِرُّ وَالصِّلَةُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ الْمَالِيَّةِ مِمَّا لَوْ فَعَلَهَا الْمُسْلِمُ لَكَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ جُمِعَتْ وَوُضِعَتْ فِي الْمِيزَانِ غَيْرَ أَنَّ الْكُفْرَ إذَا قَابَلَهَا رَجَحَ بِهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ تُوَازِنُ مَا يَقَعُ مِنْهُ مِنْ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ كَظُلْمِ غَيْرِهِ وَأَخْذِ مَالِهِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ فَإِنْ سَاوَتْهَا عُذِّبَ بِالْكُفْرِ وَإِنْ زَادَتْ عُذِّبَ بِمَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الْكُفْرِ مِنْهُ وَإِنْ زَادَتْ أَعْمَالُ الْخَيْرِ مَعَهُ طَاحَ عِقَابُ سَائِرِ الْمَعَاصِي وَبَقِيَ عِقَابُ الْكُفْرِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ. اللَّهُمَّ ثَقِّلْ مَوَازِينَ حَسَنَاتِنَا إذَا وُزِنَتْ، وَخَفِّفْ مَوَازِينَ سَيِّئَاتِنَا إذَا فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وُضِعَتْ. وَاجْعَلْ سِجِلَّاتِ ذُنُوبِنَا عِنْدَ بِطَاقَةِ تَوْحِيدِنَا طَائِشَةً مِنْ كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَوَفِّقْنَا بِجَعْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute