١٣٩ - وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فِي الْعَصْرِ: " وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ ".
ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ وَهُوَ بَعِيدٌ.
ثُمَّ يَسْتَمِرُّ وَقْتُ الْعَصْرِ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَبَعْدَ الِاصْفِرَارِ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلْأَدَاءِ، بَلْ وَقْتُ قَضَاءٍ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ؛ وَقِيلَ بَلْ أَدَاءٌ إلَى بَقِيَّةٍ تَسَعُ رَكْعَةً، لِحَدِيثِ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ».
وَأَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا وَجَبَتْ الشَّمْسُ: أَيْ غَرَبَتْ، كَمَا وَرَدَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي لَفْظٍ: " إذَا غَرَبَتْ "، وَآخِرُهُ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّسَاعِ وَقْتِ الْغُرُوبِ، وَعَارَضَهُ حَدِيثُ " جِبْرِيلَ "، فَإِنَّهُ صَلَّى بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي الْيَوْمَيْنِ، وَذَلِكَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ " جِبْرِيلَ " حَصْرٌ لِوَقْتِهِمَا فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ أَحَادِيثَ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ مُتَأَخِّرَةٌ، فَإِنَّهَا فِي الْمَدِينَةِ، وَإِمَامَةُ " جِبْرِيلَ " فِي مَكَّةَ، فَهِيَ زِيَادَةٌ تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهَا؛ وَقِيلَ: إنَّ حَدِيثَ جِبْرِيلَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا إلَّا الَّذِي صَلَّى فِيهِ.
وَأَوَّلُ الْعِشَاءِ: غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ، وَيَسْتَمِرُّ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ التَّحْدِيدُ لِآخَرِهِ بِثُلُثِ اللَّيْلِ، لَكِنْ أَحَادِيثُ النِّصْفِ صَحِيحَةٌ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا. وَأَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَيَسْتَمِرُّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.
فَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ قَدْ أَفَادَ أَوَّلَ كُلِّ وَقْتٍ مِنْ الْخَمْسَةِ وَآخِرَهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَهَلْ يَكُونُ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِأَدَاءِ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْ لَا؟ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لَهُمَا، وَلَكِنْ حَدِيثُ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَقْتًا لِلْعَصْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظِ " أَدْرَكَ " مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ تَرَاخِيهِ عَنْ الْوَقْتِ الْمَعْرُوفِ لِعُذْرٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَوَرَدَ فِي الْفَجْرِ مِثْلُهُ وَسَيَأْتِي، وَلَمْ يَرِدْ مِثْلُهُ فِي الْعِشَاءِ، وَلَكِنَّهُ وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ: «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى» فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْأُخْرَى؛ إلَّا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْفَجْرِ، فَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَلَيْسَ بِوَقْتٍ لِلَّتِي بَعْدَهَا، وَبِصَلَاةِ الْعِشَاءِ فَإِنْ آخِرَهُ نِصْفُ اللَّيْلِ، وَلَيْسَ وَقْتًا لِلَّتِي بَعْدَهَا، وَقَدْ قُسِّمَ الْوَقْتُ إلَى اخْتِيَارِيٍّ وَاضْطِرَارِيٍّ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ نَاهِضٌ عَلَى غَيْرِ مَا سَمِعْت، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْمَوَاقِيتِ فِي رِسَالَةٍ بَسِيطَةٍ سَمَّيْنَاهَا: " الْيَوَاقِيتُ فِي الْمَوَاقِيتِ ".
١٣٩ - وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فِي الْعَصْرِ: " وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ ". وَلَهُ أَيْ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute