. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
النَّجَاسَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَعْنًى لَا نَعْرِفُهُ، كَعَدَمِ مَعْرِفَتِنَا لِحِكْمَةِ أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ وَنَحْوِهَا وَقِيلَ: بَلْ النَّهْيُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِلْكَرَاهَةِ فَقَطْ، وَهِيَ طَاهِرَةٌ مُطَهِّرَةٌ.
وَجَمَعَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ حَدِيثَ «لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَلَغَ الْقُلَّتَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَحَدِيثُ الِاسْتِيقَاظِ، وَحَدِيثُ الْمَاءِ الدَّائِمِ، مَحْمُولٌ عَلَى الْقَلِيلِ.
وَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ أَنَّ حَدِيثَ الِاسْتِيقَاظِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا لَهُ؛ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: الْمُرَادُ بِلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ: الْكَثِيرُ الَّذِي سَبَقَ تَحْدِيدُهُ، وَقَدْ أَعَلُّوا حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ بِالِاضْطِرَابِ وَكَذَلِكَ أَعَلَّهُ الْإِمَامُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ، وَبَعْضُهُمْ تَأَوَّلَهُ، وَبَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ فِي الْقَلِيلِ، وَلَكِنَّهُ وَرَدَ عَلَيْهِمْ حَدِيثُ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ، فَإِنَّهُ كَمَا عَرَفْت دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ قَلِيلَ الْمَاءِ، فَدَفَعَتْهُ الشَّافِعِيَّةُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَوُرُودِهَا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: إذَا وَرَدَتْ عَلَى الْمَاءِ نَجَّسَتْهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ الِاسْتِيقَاظِ، وَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا الْمَاءُ لَمْ تَضُرَّ، كَمَا فِي خَبَرِ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ.
وَفِيهِ بَحْثٌ حَقَّقْنَاهُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ، وَحَوَاشِي ضَوْءِ النَّهَارِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ حَكَمُوا أَنَّهُ إذَا وَرَدَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجَّسَتْهُ، وَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا الْمَاءُ الْقَلِيلُ لَمْ يُنَجَّسْ، فَجَعَلُوا عِلَّةَ عَدَمِ تَنَجُّسِ الْمَاءِ الْوُرُودَ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ حِينَ يَرِدُ الْمَاءُ عَلَى النَّجَاسَةِ يَرِدُ عَلَيْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يُفْنِي عَيْنَهَا، وَيَذْهَبُ قَبْلَ فَنَائِهِ، فَلَا يَأْتِي آخِرُ جُزْءٍ مِنْ الْمَاءِ الْوَارِدِ عَلَى النَّجَاسَةِ إلَّا وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ الَّذِي اتَّصَلَتْ بِهِ، أَوْ بَقِيَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْهَا، يَفْنَى وَيَتَلَاشَى عِنْدَ مُلَاقَاةِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْهَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَاءُ، كَمَا تَفْنَى النَّجَاسَةُ وَتَتَلَاشَى إذَا وَرَدَتْ عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْكَثِيرِ فِي إفْنَاءِ الْكُلِّ لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنَّ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ الْوَارِدَ عَلَى النَّجَاسَةِ يُحِيلُ عَيْنَهَا لِكَثْرَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ النَّجَاسَةِ، فَالْعِلَّةُ فِي عَدَمِ تَنَجُّسِهِ بِوُرُودِهِ عَلَيْهَا: فِي كَثْرَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَا الْوُرُودُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْقَلُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْوُرُودَيْنِ، بِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُنَجِّسُهُ دُونَ الْآخَرِ، وَإِذَا عَرَفْت مَا أَسْلَفْنَاهُ وَأَنَّ تَحْدِيدَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ لَمْ يَنْهَضْ عَلَى أَحَدِهِمَا دَلِيلٌ، فَأَقْرَبُ الْأَقَاوِيلِ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَمَنْ مَعَهُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَعَلَيْهِ عِدَّةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْآلِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَاخْتَارَهُ مِنْهُمْ الْإِمَامُ شَرَفُ الدِّينِ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إنَّهُ قَوْلٌ لِأَحْمَدَ، وَنَصَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَتْبَاعِهِ، وَرَجَّحَهُ أَيْضًا مِنْ أَتْبَاعِ الشَّافِعِيِّ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ الرُّويَانِيُّ صَاحِبُ بَحْرِ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي الْإِمَامِ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى: إنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ.
" وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ "، " وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ "، وَابْنِ عَبَّاسٍ، " وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ "، " وَمَيْمُونَةَ " أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، " وَأَبِي هُرَيْرَةَ " " وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ "، " وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ " " وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَخِيهِ، " وَابْنِ أَبِي لَيْلَى "، " وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ "، " وَابْنِ الْمُسَيِّبِ "، " وَمُجَاهِدٍ "، " وَعِكْرِمَةَ، " وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، " وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ "، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ.
٣ - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ - وَلِلْبَيْهَقِيِّ «الْمَاءُ طَهُورٌ إلَّا إنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ، أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ لَوْنُهُ، بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute