. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ» فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ وَلَا اسْتِصْحَابَ فِي انْتِهَائِهِ فَإِنْ فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ قَبْلَ تَمَامِ الرَّفْعِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَتَمَّ الْأُخَرَ فَإِنْ فَرَغَ مِنْهُمَا حَطَّ يَدَيْهِ وَلَمْ يَسْتَدِمْ الرَّفْعَ " وَالثَّانِي " يَرْفَعُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَدَاهُ مُقَارِنَتَانِ فَإِذَا فَرَغَ أَرْسَلَهُمَا لِأَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ كَذَلِكَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَصَحَّحَ هَذَا الْبَغْدَادِيُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَدَلِيلُهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ " وَالثَّالِثُ " يَرْفَعُ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَيَكُونُ انْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ وَيَحُطُّهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ التَّكْبِيرِ لَا قَبْلَ فَرَاغِهِ لِأَنَّ الرَّفْعَ لِلتَّكْبِيرِ فَكَانَ مَعَهُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَسَبَهُ إلَى الْجُمْهُورِ.
انْتَهَى بِلَفْظِهِ وَفِيهِ تَحْقِيقُ الْأَقْوَالِ وَأَدِلَّتُهَا وَدَلَّتْ الْأَدِلَّةُ أَنَّهُ مِنْ الْعَمَلِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ بِحُكْمِهِ.
وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَالَ دَاوُد وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَجَمَاعَةٌ إنَّهُ وَاجِبٌ لِثُبُوتِهِ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّهُ رَوَى رَفَعَ الْيَدَيْنِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ خَمْسُونَ صَحَابِيًّا مِنْهُمْ الْعَشَرَةُ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ قَالَ: لَا نَعْلَمُ سُنَّةً اتَّفَقَ عَلَى رِوَايَتِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ ثُمَّ الْعَشَرَةُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ تَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ غَيْرَ هَذِهِ السُّنَّةِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ كَمَا قَالَ أُسْتَاذُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْمُوجِبُونَ: قَدْ ثَبَتَ الرَّفْعُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ هَذَا الثُّبُوتَ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَلِذَا قُلْنَا بِالْوُجُوبِ؛ وَقَالَ غَيْرُهُمْ: إنَّهُ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ " وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ " وَالْقَاسِمُ وَالنَّاصِرُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى؛ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ؛ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ وَيَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ سُنَّةً إلَّا " الْهَادِي وَبِهَذَا تَعْرِفُ أَنَّ مَنْ رَوَى عَنْ الزَّيْدِيَّةِ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ، فَقَدْ عَمَّ النَّقْلَ بِلَا عِلْمٍ.
هَذَا وَأَمَّا إلَى أَيِّ مَحَلٍّ يَكُونُ الرَّفْعُ، فَرِوَايَةُ أَبِي حُمَيْدٍ هَذِهِ تُفِيدُ أَنَّهُ إلَى مُقَابِلِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَالْمَنْكِبُ مَجْمَعُ رَأْسِ عَظْمِ الْكَتِفِ وَالْعَضُدِ، وَبِهِ أَخَذَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَقِيلَ: إنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ " بِلَفْظِ " حَتَّى حَاذَى أُذُنَيْهِ ".
وَجُمِعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُحَاذِي بِظَهْرِ كَفَّيْهِ الْمَنْكِبَيْنِ وَبِأَطْرَافِ أَنَامِلِهِ الْأُذُنَيْنِ كَمَا تَدُلُّ لَهُ رِوَايَةٌ لِوَائِلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ: " حَتَّى كَانَتْ حِيَالَ مَنْكِبَيْهِ وَيُحَاذِي بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ " وَقَوْلُهُ: " أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ " قَدْ فَسَّرَ هَذَا الْإِمْكَانَ رِوَايَةُ ابْنِ دَاوُد: " وَكَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا " وَقَوْلُهُ: " هَصَرَ ظَهْرَهُ " تَقَدَّمَ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَةٍ: " ثُمَّ حَنَى " بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ؛ وَفِي رِوَايَةٍ: " غَيْرَ مُقَنِّعٍ رَأْسَهُ وَلَا مُصَوِّبِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ: " وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ " وَقَدْ سَبَقَ.
وَقَوْلُهُ: " حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ " الْمُرَادُ مِنْهُ كَمَالُ الِاعْتِدَالِ، وَتُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ: " ثُمَّ يَمْكُثُ قَائِمًا حَتَّى يَقَعَ كُلُّ عُضْوٍ مَوْضِعَهُ " وَفِي ذِكْرِهِ كَيْفِيَّةَ الْجُلُوسَيْنِ: الْجُلُوسِ الْأَوْسَطِ، وَالْأَخِيرِ، دَلِيلٌ عَلَى تَغَايُرِهِمَا، وَأَنَّهُ فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ يَتَوَرَّكُ، أَيْ يُفْضِي بِوَرِكِهِ إلَى الْأَرْضِ، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ سَيَأْتِي، وَبِهَذَا الْحَدِيثِ عَمِلَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute