للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَا تَجِبُ السَّبْعُ، بَلْ وُلُوغُ الْكَلْبِ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَالتَّسْبِيعُ نَدْبٌ، اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ " قَالَ: يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ.

وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا، بِأَنَّ الْعَمَلَ بِمَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بِمَا رَآهُ وَأَفْتَى بِهِ، وَبِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ، وَأَيْضًا: أَنَّهُ أَفْتَى بِالْغَسْلِ، وَهِيَ أَرْجَحُ سَنَدًا، وَتَرَجَّحَ أَيْضًا بِأَنَّهَا تُوَافِقُ الرِّوَايَةَ الْمَرْفُوعَةَ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ [يُغْسَلُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا] قَالُوا: فَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ السَّبْعِ، وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ، وَلَا تَخْيِيرَ فِي مُعَيَّنٍ؛ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ.

الْحُكْمُ الثَّالِثُ: وُجُوبُ التَّتْرِيبِ لِلْإِنَاءِ لِثُبُوتِهِ فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِ التُّرَابِ، وَأَنَّهُ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى؛ وَمَنْ أَوْجَبَهُ قَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخْلِطَ الْمَاءَ بِالتُّرَابِ حَتَّى يَتَكَدَّرَ، أَوْ يَطْرَحَ الْمَاءَ عَلَى التُّرَابِ، أَوْ يَطْرَحَ التُّرَابَ عَلَى الْمَاءِ، وَبَعْضُ مَنْ قَالَ بِإِيجَابِ التَّسْبِيعِ، قَالَ: لَا تَجِبُ غَسْلَةُ التُّرَابِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ. وَرَدَّ: بِأَنَّهَا قَدْ ثَبَتَتْ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ بِلَا رَيْبٍ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَأَوْرَدَ عَلَى رِوَايَةِ التُّرَابِ بِأَنَّهَا قَدْ اضْطَرَبَتْ فِيهَا الرِّوَايَةُ، فَرَوَى أُولَاهُنَّ، أَوْ أُخْرَاهُنَّ، أَوْ إحْدَاهُنَّ، أَوْ السَّابِعَةُ، أَوْ الثَّامِنَةُ، وَالِاضْطِرَابُ قَادِحٌ، فَيَجِبُ الْإِطْرَاحُ لَهَا.

وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ الِاضْطِرَابُ قَادِحًا إلَّا مَعَ اسْتِوَاءِ الرِّوَايَاتِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ هُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ رِوَايَةَ أُولَاهُنَّ أَرْجَحُ لِكَثْرَةِ رُوَاتِهَا، وَبِإِخْرَاجِ الشَّيْخَيْنِ لَهَا وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ التَّرْجِيحُ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَأَلْفَاظُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي عُورِضَتْ بِهَا أُولَاهُنَّ لَا تُقَاوِمُهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ رِوَايَةَ [أُخْرَاهُنَّ] مُتَفَرِّدَةٌ لَا تُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ مُسْنَدَةٌ، وَرِوَايَةُ [السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ]، اُخْتُلِفَ فِيهَا، فَلَا تُقَاوِمُ رِوَايَةَ [أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ] وَرِوَايَةُ [إحْدَاهُنَّ] بِالْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ لَيْسَتْ فِي الْأُمَّهَاتِ، بَلْ رَوَاهَا الْبَزَّارُ، فَعَلَى صِحَّتِهَا فَهِيَ مُطْلَقَةٌ يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى الْمُقَيَّدَةِ، وَرِوَايَةُ [أُولَاهُنَّ] أَوْ [أُخْرَاهُنَّ] بِالتَّخْيِيرِ، إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الرَّاوِي فَهُوَ شَكٌّ مِنْهُ، فَيُرْجَعُ إلَى التَّرْجِيحِ، وَرِوَايَةُ [أُولَاهُنَّ] أَرْجَحُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ تَخْيِيرٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُرْجَعُ إلَى تَرْجِيحِ [أُولَاهُنَّ]، لِثُبُوتِهَا فَقَطْ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا عَرَفْت.

وَقَوْلُهُ [إنَاءِ أَحَدِكُمْ] الْإِضَافَةُ مُلْغَاةٌ هُنَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مِلْكِهِ الْإِنَاءَ، وَكَذَا قَوْلُهُ [فَلْيَغْسِلْهُ] لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَالِكُ الْإِنَاءِ هُوَ الْغَاسِلُ، وَقَوْلُهُ: وَفِي لَفْظٍ [فَلْيُرِقْهُ] هِيَ مِنْ أَلْفَاظِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَهِيَ أَمْرٌ بِإِرَاقَةِ الْمَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَوْ الطَّعَامِ، وَهِيَ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى النَّجَاسَةِ، إذْ الْمُرَاقُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَاءً أَوْ طَعَامًا، فَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يَأْمُرْ بِإِرَاقَتِهِ كَمَا عَرَفْت، إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي فَتْحِ الْبَارِي عَدَمُ صِحَّةِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَنْ الْحُفَّاظِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَنْقُلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْحُفَّاظِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: لَا تُعْرَفُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَجْهٍ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>