. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مِنْ بَعْضِ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ تَرَكَهُ تَسَاهُلًا، وَلَكِنَّهُ اسْتَقَرَّ الْعَمَلُ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى فِعْلِهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ، كَمَا عَرَفْته مِنْ لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَيَزِيدُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ تَكْبِيرَةَ النُّهُوضِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ، فَيَتَحَصَّلُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ تَكْبِيرَةً، وَمِنْ دُونِهَا تِسْعٌ وَثَمَانُونَ تَكْبِيرَةً.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ تَكْبِيرِ النَّقْلِ، فَقِيلَ: إنَّهُ وَاجِبٌ، وَرَوَى قَوْلًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاوَمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى نَدْبِهِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ صَلَاتَهُ، وَإِنَّمَا عَلَّمَهُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ؛ وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَيَانِ لِلْوَاجِبِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ تَكْبِيرَةَ النَّقْلِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ " رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ " فَإِنَّهُ سَاقَهُ، وَفِيهِ: " ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَرْجِعُ " وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَبَقِيَّةَ تَكْبِيرَاتِ النَّقْلِ، وَأَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَلِذَا ذَهَبَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد إلَى وُجُوبِ تَكْبِيرِ النَّقْلِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: يُكَبِّرُ حَتَّى كَذَا وَحِينَ كَذَا أَنَّ التَّكْبِيرَ يُقَارِنُ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ، فَيَشْرَعُ فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ لِلرُّكْنِ؛ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمُدُّ التَّكْبِيرَ حَتَّى يَمُدَّ الْحَرَكَةَ، كَمَا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ فَلَا وَجْهَ لَهُ، بَلْ يَأْتِي بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى أَدَائِهِ، وَلَا نُقْصَانٍ مِنْهُ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ ثُمَّ يَقُولُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ " أَنَّهُ يُشْرَعُ ذَلِكَ لِكُلِّ مُصَلٍّ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ، إذْ هُوَ حِكَايَةٌ لِمُطْلَقِ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ حِكَايَةٌ لِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَامًا، إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ إطْلَاقِهَا الْوَاجِبَةُ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَاجِبَةُ جَمَاعَةً، وَهُوَ الْإِمَامُ فِيهَا، إلَّا أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ هَذَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» أَمْرٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ كَصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ.
وَذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْهَادَوِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّ التَّسْمِيعَ مُطْلَقًا لِمُتَنَفِّلٍ أَوْ مُفْتَرِضٍ، لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَالْحَمْدُ لِلْمُؤْتَمِّ لِحَدِيثِ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَيُجِيبُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» لَا يَنْفِي قَوْلَ الْمُؤْتَمِّ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ الْمُؤْتَمُّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، عَقِبَ قَوْلِ إمَامِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَالْوَاقِعُ هُوَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فِي حَالِ انْتِقَالِهِ، وَالْمَأْمُومَ يَقُولُ التَّحْمِيدَ فِي حَالِ اعْتِدَالِهِ، وَاسْتُفِيدَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ.
قُلْت: لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ: «لَا يَقُولُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلَكِنْ يَقُولُ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» وَلَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الشَّعْبِيِّ، فَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَقَدْ ادَّعَى الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى كَوْنِ الْمُنْفَرِدِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ، وَيَحْمَدُ الْمُؤْتَمُّ؛ قَالُوا: وَالْحُجَّةُ جَمْعُ الْإِمَامِ بَيْنَهُمَا، لِاتِّحَادِ حُكْمِ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute