للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَنُونٍ آخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ وَهِيَ الدَّلْوُ الْمَلْآنُ مَاءً، وَقِيلَ: الْعَظِيمَةُ [مِنْ مَاءٍ] تَأْكِيدٌ وَإِلَّا فَقَدْ أَفَادَهُ لَفْظُ الذَّنُوبِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ كَتَبْت بِيَدَيَّ، وَفِي رِوَايَةٍ سَجْلًا بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الذَّنُوبِ [فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ] أَصْلُهُ: فَأُرِيقَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَاءُ مِنْ الْهَمْزَةِ، فَصَارَ فَهُرِيقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، زِيدَتْ هَمْزَةٌ أُخْرَى بَعْدَ إبْدَالِ الْأُولَى فَقِيلَ: فَأُهْرِيقَ، [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا عَرَفْت.

وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ إجْمَاعٌ، وَعَلَى أَنَّ الْأَرْضَ إذَا تَنَجَّسَتْ طَهُرَتْ بِالْمَاءِ كَسَائِرِ الْمُتَنَجِّسَاتِ، وَهَلْ يُجْزِئُ فِي طَهَارَتِهَا غَيْرُ الْمَاءِ؟ قِيلَ: تُطَهِّرُهَا الشَّمْسُ وَالرِّيحُ، فَإِنَّ تَأْثِيرَهُمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَعْظَمُ إزَالَةً مِنْ الْمَاءِ، وَلِحَدِيثِ [زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا] ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ مَوْقُوفًا، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدِيثَ أَبِي قِلَابَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ بِلَفْظِ: جُفُوفُ الْأَرْضِ طَهُورُهَا فَلَا تَقُومُ بِهِمَا حُجَّةٌ.

وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ صَبَّ الْمَاءِ يُطَهِّرُ الْأَرْضَ، رَخْوَةً كَانَتْ أَوْ صُلْبَةً. وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الصُّلْبَةِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْمُتَنَجِّسَاتِ، وَأَرْضُ مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ رَخْوَةً فَيَكْفِي فِيهَا الصَّبُّ.

وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ الطَّهَارَةُ عَلَى نُضُوبِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الصَّبِّ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ شَيْئًا، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ، وَفِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَفْرُهَا وَإِلْقَاءُ التُّرَابِ؛ وَقِيلَ: إذَا كَانَتْ صُلْبَةً فَلَا بُدَّ مِنْ حَفْرِهَا، وَإِلْقَاءِ التُّرَابِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَعُمَّ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا؛ وَلِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ: «خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ وَأَلْقُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ مَاءً».

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ: لَهُ إسْنَادَانِ مَوْصُولَانِ: أَحَدُهُمَا عَنْ " ابْنِ مَسْعُودٍ "، وَالْآخَرُ عَنْ " وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ "، وَفِيهِمَا مَقَالٌ، وَلَوْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ أَرْضَ مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخْوَةٌ، فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يَحْفِرُ، وَيُلْقَى التُّرَابُ إلَّا مِنْ الْأَرْضِ الصُّلْبَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا:

احْتِرَامُ الْمَسَاجِدِ «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَرَغَ الْأَعْرَابِيُّ مِنْ بَوْلِهِ دَعَاهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا تَبَادَرُوا إلَى الْإِنْكَارِ أَقَرَّهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالرِّفْقِ، كَمَا فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ لِلْحَدِيثِ إلَّا مُسْلِمًا أَنَّهُ قَالَ: «إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» وَلَوْ كَانَ الْإِنْكَارُ غَيْرَ جَائِزٍ لَقَالَ لَهُمْ: إنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْأَعْرَابِيُّ مَا يُوجِبُ نَهْيَكُمْ لَهُ.

وَمِنْهَا: الرِّفْقُ بِالْجَاهِلِ، وَعَدَمُ التَّعْنِيفِ.

وَمِنْهَا: حُسْنُ خُلُقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلُطْفِهِ بِالْمُتَعَلِّمِ؛ وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِبْعَادَ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ يُرِيدُ الْغَائِطَ لَا الْبَوْلَ، فَإِنَّهُ كَانَ عُرْفُ الْعَرَبِ عَدَمَ ذَلِكَ، وَأَقَرَّهُ الشَّارِعُ، «وَقَدْ بَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَجَعَلَ رَجُلًا عِنْدَ عَقِبِهِ يَسْتُرُهُ».

وَمِنْهَا: دَفْعُ أَعْظَمِ الْمَضَرَّتَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَ عَلَيْهِ بَوْلُهُ لَأَضَرَّ بِهِ؛ وَكَانَ يَحْصُلُ مِنْ تَقْوِيمِهِ مِنْ مَحَلِّهِ مَعَ مَا قَدْ حَصَلَ مِنْ تَنْجِيسِ الْمَسْجِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>