. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» انْتَهَى بِلَفْظِهِ.
وَفِي تَلْقِيحِ الْأَفْكَارِ تَخْرِيجُ الْأَذْكَارِ، لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ لَمَّا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ: أَنَّ زِيَادَةَ وَبَرَكَاتُهُ زِيَادَةٌ فَرْدَةٌ، سَاقَ الْحَافِظُ طُرُقًا عِدَّةً لِزِيَادَةِ وَبَرَكَاتُهُ؛ ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ عِدَّةُ طُرُقٍ تَثْبُتُ بِهَا وَبَرَكَاتُهُ، بِخِلَافِ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَنَّهَا رِوَايَةٌ فَرْدَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَحَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ التَّسْلِيمَتَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ ثَبَتَ قَوْلُهُ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَثَبَتَ حَدِيثُ: «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا السَّلَامُ» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَيَجِبُ التَّسْلِيمُ لِذَلِكَ.
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ: الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ؛ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ " ابْنِ عُمَرَ ": «إذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ وَقَعَدَ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَاجِبٍ، وَإِلَّا لَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ، وَلِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ؛ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْهُ بِالسَّلَامِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ حَدِيثَ " ابْنِ عُمَرَ " ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقٍ الْحُفَّاظِ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ، وَقَدْ اضْطَرَبُوا فِي إسْنَادِهِ؛ وَحَدِيثُ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، فَإِنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ السَّلَامِ اسْتِدْلَالٌ غَيْرُ تَامٍّ، لِأَنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ بَيْنَ الْمَطْلُوبِ مِنْهَا فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ عَمِلَ بِهَا وَحْدِهَا لَمَا وَجَبَتْ الْقِرَاءَةُ وَلَا غَيْرُهَا. وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى وُجُوبِ التَّسْلِيمِ عَلَى الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَجَمَاعَةٌ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مَسْنُونَةٌ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَإِنْ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ جَعَلَ الْأُولَى عَنْ يَمِينِهِ، وَالثَّانِيَةَ عَنْ يَسَارِهِ، وَلَعَلَّ حُجَّةَ الشَّافِعِيِّ حَدِيثُ عَائِشَةَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَوْتَرَ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيَذْكُرُهُ وَيَدْعُو ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَةَ فَيَجْلِسُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَدْعُو ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً» أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الزِّيَادَةِ كَمَا عَرَفْت مِنْ قَبُولِ الزِّيَادَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ عَدْلٍ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ: أَنَّ الْمَسْنُونَ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ؛ وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ضَعْفَ أَدِلَّةِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْأَحَادِيثِ.
وَاسْتَدَلَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى كِفَايَةِ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ عَمَلٌ تَوَارَثُوهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ عَمَلَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَقَوْلُهُ: " عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ " أَيْ مُنْحَرِفًا إلَى الْجِهَتَيْنِ بِحَيْثُ يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ كَمَا وَرَدَ فِي رِوَايَةِ سَعْدٍ. «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -