. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قَاعِدًا [فَعَلَى جَنْبٍ، وَإِلَّا] أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ الصَّلَاةَ عَلَى جَنْبٍ [فَأَوْمِ]. وَلَمْ نَجِدْهُ فِي نُسَخِ بُلُوغِ الْمَرَامِ مَنْسُوبًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ دُونَ قَوْلِهِ: " وَإِلَّا فَأَوْمِ " وَلِلنَّسَائِيِّ وَزَادَ " فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقٍ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}. وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ " عَلِيٍّ " - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِلَفْظِ: «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَسْجُدَ أَوْمِ وَاجْعَلْ سُجُودَك أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِك، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ» وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَفِيهِ مَتْرُوكٌ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْإِيمَاءِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ؛ قَالَ: وَلَكِنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «إنْ اسْتَطَعْت وَإِلَّا فَأَوْمِ إيمَاءً وَاجْعَلْ سُجُودَك أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِك» أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ؛ وَقَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: الصَّوَابُ عَنْ " جَابِرٍ " مَوْقُوفًا، وَرَفْعُهُ خَطَأٌ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ " ابْنِ عُمَرَ " وَابْنِ عَبَّاسٍ " وَفِي إسْنَادَيْهِمَا ضَعْفٌ. الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ قَاعِدًا إلَّا لِعُذْرٍ، وَهُوَ عَدَمُ الِاسْتِطَاعَةِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا إذَا خَشِيَ ضَرَرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وَكَذَا قَوْلُهُ: «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» وَفِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيُّ:
«فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةٌ فَجَالِسًا؛ فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةٌ فَنَائِمًا» أَيْ مُضْطَجِعًا.
وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الْقُعُودِ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةٌ وَلَوْ بِالتَّأَلُّمِ يُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ مِنْ قُعُودٍ؛ وَفِيهِ خِلَافٌ؛ وَالْحَدِيثُ مَعَ مَنْ قَالَ إنَّ التَّأَلُّمَ يُبِيحُ ذَلِكَ، وَمِنْ الْمَشَقَّةِ: صَلَاةُ مَنْ يَخَافُ دَوَرَانَ رَأْسِهِ إذَا صَلَّى قَائِمًا فِي السَّفِينَةِ، أَوْ يَخَافُ الْغَرَقَ، أُبِيحَ لَهُ الْقُعُودُ.
هَذَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْحَدِيثُ هَيْئَةَ الْقُعُودِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ صِحَّتُهُ عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ شَاءَهَا الْمُصَلِّي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ وَقَالَ الْهَادِي وَغَيْرُهُ: إنَّهُ يَتَرَبَّعُ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِثْلُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَهَبَ " زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ " وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ مِثْلُ قُعُودِ التَّشَهُّدِ، قِيلَ: وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْبَارِي: اُخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ، فَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ التَّرَبُّعُ، وَقِيلَ مُفْتَرِشًا، وَقِيلَ مُتَوَرِّكًا، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا أَحَادِيثُ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: " عَلَى جَنْبٍ " الْكَلَامُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ هُنَا كَمَا مَرَّ، وَهُوَ هُنَا مُطْلَقٌ، وَقَيَّدَهُ فِي حَدِيثِ " عَلِيٍّ " - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ، وَهُوَ حُجَّةُ الْجُمْهُورِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ كَتَوَجُّهِ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بَعْدَ تَعَذُّرِ الْإِيمَاءِ عَلَى الْجَنْبِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْمُؤَيَّدِ يَجِبُ الْإِيمَاءُ بِالْعَيْنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ، وَعَنْ " زُفَرَ " الْإِيمَاءُ بِالْقَلْبِ؛ وَقِيلَ: يَجِبُ إمْرَارُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ عَلَى اللِّسَانِ، ثُمَّ عَلَى الْقَلْبِ، إلَّا أَنَّ الْكَلِمَةَ لَمْ تَأْتِ فِي الْأَحَادِيثِ؛ وَفِي الْآيَةِ: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ بِدَلِيلٍ آخَرَ؛ فَقَدْ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute