٣١٣ - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ، فَسَهَا
وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَلَّمَ مُعْتَقِدًا لِلتَّمَامِ، وَتَكَلَّمَ الصَّحَابَةُ مُعْتَقِدِينَ لِلنَّسْخِ، وَظَنُّوا حِينَئِذٍ التَّمَامَ.
قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَزْمَ بِاعْتِقَادِهِمْ التَّمَامَ مَحَلُّ نَظَرٍ، بَلْ فِيهِمْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْقَصْرِ، وَالنِّسْيَانِ وَهُوَ ذُو الْيَدَيْنِ، نَعَمْ سَرَعَانُ النَّاسِ اعْتَقَدُوا الْقَصْرَ، وَلَا يَلْزَمُ اعْتِقَادُ الْجَمِيعِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا عُذْرَ عَنْ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لِمَنْ يَتَّفِقُ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمَا أَحْسَنُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَنَارِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ الْهَادِي وَدَعْوَاهُ نَسْخَهُ كَمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ رَدَّهُ بِمَا رَدَدْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَنَا أَقُولُ أَرْجُوا اللَّهَ لِلْعَبْدِ إذَا لَقِيَ اللَّهَ عَامِلًا لِذَلِكَ أَنْ يُثْبِتَهُ فِي الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ: صَحَّ لِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِك، وَلَمْ أَجِدْ مَا يَمْنَعُهُ، وَأَنْ يَنْجُوَ بِذَلِكَ، وَيُثَابُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، وَأَخَافُ عَلَى الْمُتَكَلِّفِينَ وَعَلَى الْمُجْبَرِينَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ لِلِاسْتِئْنَافِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَحْوَطَ كَمَا تَرَى، لِأَنَّ الْخُرُوجَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ مَمْنُوعٌ وَإِبْطَالٌ لِلْعَمَلِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إذَا وَقَعَتْ سَهْوًا وَظُنَّ التَّمَامُ لَا تَفْسُدُ بِهَا الصَّلَاةُ، فَإِنَّ فِي رِوَايَةٍ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى مَنْزِلِهِ " وَفِي أُخْرَى " يَجُرُّ رِدَاءَهُ مُغْضَبًا " وَكَذَلِكَ خُرُوجُ سَرَعَانِ النَّاسِ، فَإِنَّهَا أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ قَطْعًا، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ رَبِيعَةَ، وَنُسِبَ إلَى مَالِكٍ، وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ عَنْهُ.
وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: يَخْتَصُّ جَوَازُ الْبِنَاءِ إذَا كَانَ الْفَصْلُ بِزَمَنٍ قَرِيبٍ، وَقِيلَ بِمِقْدَارِ الصَّلَاةِ.
وَيَدُلُّ أَيْضًا أَنَّهُ يَجْبُرُ ذَلِكَ سُجُودُ السَّهْوِ وُجُوبًا لِحَدِيثِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَسْبَابِ السَّهْوِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ خِلَافُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَيَأْتِي فِيهِ الْكَلَامُ، وَأَمَّا تَعْيِينُ الصَّلَاةِ الَّتِي اتَّفَقَتْ فِيهَا الْقِصَّةُ فَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ [وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ] أَيْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ [صَلَاةُ الْعَصْرِ] عِوَضًا عَنْ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى " إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ " [وَلِأَبِي دَاوُد] أَيْ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا [فَقَالَ] أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَأَوْمَئُوا: أَيْ نَعَمْ، وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِنْ بِلَفْظِ: فَقَالُوا] قُلْت: وَهِيَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بِلَفْظِ: " فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ " وَقَالَ أَبُو دَاوُد: إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فَأَوْمَئُوا إلَّا حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ [وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ] أَيْ لِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ [وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ ذَلِكَ] وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: " وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ ذَلِكَ " أَيْ صَيَّرَ تَسْلِيمَهُ عَلَى ثِنْتَيْنِ يَقِينًا عِنْدَهُ إمَّا بِوَحْيٍ، أَوْ تَذَكُّرٍ حَصَلَ لَهُ الْيَقِينُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا مُسْتَنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute