١٥ - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُمَا لَا يَحْرُمُ. وَأَمَّا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيهِ إجْمَاعًا، وَهَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيمَا ذُكِرَ لَا خِلَافَ فِيهِ.
فَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ فَفِيهِ الْخِلَافُ. قِيلَ: لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَقِيلَ يَحْرُمُ سَائِرُ الِاسْتِعْمَالَاتِ إجْمَاعًا؛ وَنَازَعَ فِي الْأَخِيرِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ: النَّصُّ وَرَدَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا غَيْرُ، وَإِلْحَاقُ سَائِرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ بِهِمَا قِيَاسًا لَا تَتِمُّ فِيهِ شَرَائِطُ الْقِيَاسِ.
وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَائِلُ بِعَدَمِ تَحْرِيمِ غَيْرِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهِمَا، إذْ هُوَ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ، وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَهَذَا مِنْ شُؤْمِ تَبْدِيلِ اللَّفْظِ النَّبَوِيِّ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ فَعَدَلُوا عَنْ عِبَارَتِهِ إلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَهَجَرُوا الْعِبَارَةَ النَّبَوِيَّةَ، وَجَاءُوا بِلَفْظٍ عَامٍّ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ وَلَهَا نَظَائِرُ فِي عِبَارَاتِهِمْ، وَلِهَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ هُنَا لِإِفَادَةِ تَحْرِيمِ الْوُضُوءِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُمَا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَبَابُ هَذَا الْحَدِيثِ بَابُ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ، ثُمَّ هَلْ يَلْحَقُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ نَفَائِسُ الْأَحْجَارِ كَالْيَاقُوتِ وَالْجَوَاهِرِ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ إلْحَاقِهِ، وَجَوَازُهُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ النَّاقِلِ عَنْهَا.
وَعَنْ " أُمِّ سَلَمَةَ " هِيَ " أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، اسْمُهَا " هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ "، كَانَتْ تَحْتَ " أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ " هَاجَرَتْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَعَ زَوْجِهَا، وَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ عَوْدَتِهِمَا مِنْ الْحَبَشَةِ، وَتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ، وَعُمْرُهَا أَرْبَعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً. [قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ] هَكَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِقَوْلِهِ [فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ] إنَّمَا [يُجَرْجِرُ] بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَجِيمٍ فَرَاءٍ وَجِيمٍ مَكْسُورَةٍ.
وَالْجَرْجَرَةُ صَوْتُ وُقُوعِ الْمَاءِ فِي الْجَوْفِ، وَصَوْتُ الْبَعِيرِ عِنْدَ الْجَرَّةِ، جَعَلَ الشُّرْبَ وَالْجَرْعَ جَرْجَرَةً [فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُرْوَى بِرَفْعِ النَّارِ عَلَى أَنَّهَا فَاعِلٌ مَجَازًا، وَإِلَّا فَنَارُ جَهَنَّمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا تُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ، إنَّمَا جَعَلَ جَرْعَ الْإِنْسَانِ لِلْمَاءِ فِي هَذِهِ الْأَوَانِي الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَاسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ عَلَى اسْتِعْمَالِهَا، كَجَرْجَرَةِ نَارِ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِهِ مَجَازًا، هَكَذَا عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ. وَذُكِّرَ الْفِعْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute