للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الدِّبَاغُ شَيْئًا، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْهَادَوِيَّةِ. وَيُرْوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ: «أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ مَوْتِهِ أَلَّا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: [قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ]. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَذْهَبُ إلَيْهِ، وَيَقُولُ: هَذَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ تَرَكَهُ، قَالُوا: أَيْ الْهَادَوِيَّةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِدَلَالَتِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الِانْتِفَاعِ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابِهَا وَعَصَبِهَا.

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ:

(الْأَوَّلُ): أَنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ فِي سَنَدِهِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ كِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَارَةً عَنْ مَشَايِخَ مِنْ جُهَيْنَةَ عَمَّنْ قَرَأَ كِتَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمُضْطَرِبٌ أَيْضًا فِي مَتْنِهِ، فَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فِي رِوَايَةِ الْأَكْلِ، وَرُوِيَ بِالتَّقْيِيدِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ إنَّهُ مُعَلٌّ أَيْضًا بِالْإِرْسَالِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ " عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ " مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمُعَلٌّ بِالِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ " عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى " مِنْ " ابْنِ عُكَيْمٍ "، وَلِذَلِكَ تَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْقَوْلَ بِهِ آخِرًا، وَكَانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ أَوَّلًا كَمَا قَالَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَ (ثَانِيًا): بِأَنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى النَّسْخِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الدِّبَاغِ أَصَحُّ؛ فَإِنَّهُ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي مَعْنَاهُ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَانِ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ثَلَاثَةٌ، وَعَنْ أَنَسٍ حَدِيثَانِ، وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ وَعَائِشَةَ وَالْمُغِيرَةِ وَأَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِأَنَّ النَّاسِخَ لَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ تَأَخُّرِهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى تَأَخُّرِ حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ، وَرِوَايَةُ التَّارِيخِ فِيهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ مُعَلَّةٌ، فَلَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ عَلَى النَّسْخِ، عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رِوَايَةُ التَّارِيخِ صَحِيحَةً مَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ جَزْمًا، وَلَا يُقَالُ: فَإِذَا لَمْ يَتِمَّ النَّسْخُ تَعَارَضَ الْحَدِيثَانِ، حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ مَعَهُ، وَمَعَ التَّعَارُضِ يُرْجَعُ إلَى التَّرْجِيحِ أَوْ الْوَقْفِ،؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا تَعَارُضَ إلَّا مَعَ الِاسْتِوَاءِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ كَمَا عَرَفْت مِنْ صِحَّةِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الرُّوَاةِ، وَعَدَمِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ.

وَ (ثَالِثًا): بِأَنَّ الْإِهَابَ كَمَا عَرَفْت عَنْ الْقَامُوسِ وَالنِّهَايَةِ اسْمٌ لِمَا يُدْبَغُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْإِهَابُ لِمَا لَمْ يُدْبَغْ، وَبَعْدَ الدَّبْغِ يُقَالُ لَهُ شِنٌّ وَقِرْبَةٌ، وَبِهِ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ قِيلَ: فَلَمَّا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ وَرَدَ الْحَدِيثَانِ فِي صُورَةِ الْمُتَعَارِضَيْنِ، جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْإِهَابِ مَا لَمْ يُدْبَغْ، فَإِذَا دُبِغَ لَمْ يُسَمَّ إهَابًا، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ، وَهُوَ حَسَنٌ.

(الثَّالِثُ): يُطَهِّرُ جِلْدَ مَيْتَةِ الْمَأْكُولِ لَا غَيْرَهُ. لَكِنْ يَرُدُّهُ عُمُومُ [أَيُّمَا إهَابٍ].

(الرَّابِعُ): يُطَهِّرُ الْجَمِيعَ إلَّا الْخِنْزِيرَ، فَإِنَّهُ لَا جِلْدَ لَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.

(الْخَامِسُ): يُطَهِّرُ إلَّا الْخِنْزِيرَ، لَكِنْ لَا لِكَوْنِهِ لَا جِلْدَ لَهُ بَلْ لِكَوْنِهِ رِجْسًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} وَالضَّمِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>