٢٠ - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} وَالْكِتَابِيُّ يُسَمَّى مُشْرِكًا، إذْ قَدْ قَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَعُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ.
وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ كَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ إلَى طَهَارَةِ رُطُوبَتِهِمْ وَهُوَ الْحَقُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}. «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ»، وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد «وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْقِيَتِهِمْ وَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْنَا».
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ.
قُلْنَا: فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ غُنْيَةً عَنْهُ، فَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاهُ يَهُودِيٌّ إلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةِ سَنَخَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا» بِفَتْحِ السِّينِ وَفَتْحِ النُّونِ الْمُعْجَمَةِ فَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ أَيْ مُتَغَيِّرَةٍ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ حَرُمَتْ رُطُوبَتُهُمْ لَاسْتَفَاضَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ نَقْلُ تَوَقِّيهِمْ لَهَا لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالَاتهمْ الَّتِي لَا يَخْلُو مِنْهَا مَلْبُوسٌ وَمَطْعُومٌ، وَالْعَادَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ تَقْضِي بِالِاسْتِفَاضَةِ قَالَ: وَحَدِيثُ " أَبِي ثَعْلَبَةَ " إمَّا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ الْأَكْلِ فِي آنِيَتِهِمْ لِلِاسْتِقْذَارِ، لَا لِكَوْنِهَا نَجِسَةً، إذْ لَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمْ يَجْعَلْهُ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ وِجْدَانِ غَيْرِهَا، إذْ الْإِنَاءُ الْمُتَنَجِّسُ بَعْدَ إزَالَةِ نَجَاسَتِهِ هُوَ وَمَا لَمْ يَتَنَجَّسْ عَلَى سَوَاءٍ، أَوْ لِسَدِّ ذَرِيعَةِ الْمُحَرَّمِ، أَوْ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ لِمَا يُطْبَخُ فِيهَا لَا لِرُطُوبَتِهِمْ كَمَا تُفِيدُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَأَحْمَدَ بِلَفْظِ: «إنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا» الْحَدِيثَ.
وَحَدِيثُهُ الْأَوَّلُ مُطْلَقٌ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِآنِيَةٍ يُطْبَخُ فِيهَا مَا ذُكِرَ وَيُشْرَبُ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَالنَّجَسُ لُغَةً: الْمُسْتَقْذَرُ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: ذُو نَجَسٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَهُمْ الشِّرْكُ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّجَسِ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَتَطَهَّرُونَ وَلَا يَغْتَسِلُونَ وَلَا يَتَجَنَّبُونَ النَّجَاسَاتِ، فَهِيَ مُلَابِسَةٌ لَهُمْ، وَبِهَذَا يَتِمُّ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ آيَةِ الْمَائِدَةِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُوَافِقَةِ لِحُكْمِهَا؛ وَآيَةُ الْمَائِدَةِ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute