٤٦٩ - وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ»
وَثَبَتَ اسْتِعْمَالُهَا مَنْسُوبَيْنِ إلَيْهِمَا فَيُقَالُ فِيهِمَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَنْخَسِفَانِ وَيَنْكَسِفَانِ إنَّمَا الَّذِي لَمْ يَرِدْ فِي الْأَحَادِيثِ نِسْبَةُ الْكُسُوفِ إلَى الْقَمَرِ عَلَى جِهَةِ الِانْفِرَادِ وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ يَخُصُّونَ الْكُسُوفَ بِالشَّمْسِ، وَالْخُسُوفَ بِالْقَمَرِ. وَاخْتَارَهُ ثَعْلَبٌ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إنَّهُ أَفْصَحُ وَقِيلَ يُقَالُ بِهِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. وَالْكُسُوفُ لُغَةً: التَّغَيُّرُ إلَى السَّوَادِ وَالْخُسُوفُ النُّقْصَانُ وَفِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ أُخَرُ، وَإِنَّمَا قَالُوا: إنَّهَا كَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّهَا كَسَفَتْ فِي غَيْرِ يَوْمِ كُسُوفِهَا الْمُعْتَادِ فَإِنَّ كُسُوفَهَا فِي الْعَاشِرِ أَوْ الرَّابِعِ لَا يَكَادُ يَتَّفِقُ فَلِذَا قَالُوا: إنَّمَا هُوَ؛ لِأَجْلِ هَذَا الْخَطْبِ الْعَظِيمِ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمَا عَلَامَتَانِ مِنْ الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَقُدْرَتِهِ عَلَى تَخْوِيفِ عِبَادِهِ مِنْ بَأْسِهِ وَسَطْوَتِهِ. وَالْحَدِيثُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} وَفِي قَوْلِهِ: " لِحَيَاتِهِ " مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَدَّعُوا ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَكَمَا أَنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِكُسُوفِهِمَا لِحَيَاةِ أَحَدٍ كَذَلِكَ لَا يَكْسِفَانِ لِمَوْتِهِ. أَوْ كَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَيَاتِهِ صِحَّتُهُ مِنْ مَرَضِهِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقَمَرَ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ خَاصٌّ بِكُسُوفِ الشَّمْسِ زِيَادَةً فِي الْإِفَادَةِ وَالْبَيَانِ أَنَّ حُكْمَ النَّيِّرَيْنِ وَاحِدٌ فِي ذَلِكَ ثُمَّ أَرْشَدَ الْعِبَادَ إلَى مَا يُشْرَعُ عِنْدَ رُؤْيَةِ ذَلِكَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَيَأْتِي صِفَةُ الصَّلَاةِ، وَالْأَمْرُ دَلِيلُ الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّهُ حَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِانْحِصَارِ الْوَاجِبَاتِ فِي الْخَمْسِ الصَّلَوَاتِ. وَصَرَّحَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ بِوُجُوبِهِمَا وَنَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَوْجَبَهَا، وَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَايَةَ وَقْتِ الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ انْكِشَافَ الْكُسُوفِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَفُوتُ الصَّلَاةُ بِالِانْجِلَاءِ فَإِذَا انْجَلَتْ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُتِمُّهَا بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا فَعَلَ إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَسَلَّمَ، وَقَدْ انْجَلَتْ فَدَلَّ أَنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ الِانْجِلَاءُ وَيُؤَيِّدُهُ الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا تُقَيَّدُ بِرَكْعَةٍ كَمَا سَلَفَ فَإِذَا أَتَى بِرَكْعَةٍ أَتَمَّهَا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِعْلَهَا يَتَقَيَّدُ بِحُصُولِ السَّبَبِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَعِنْدَ أَحْمَدُ وَأَبِي حَنِيفَةَ مَا عَدَا أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ (وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ) أَيْ عَنْ الْمُغِيرَةِ (حَتَّى تَنْجَلِيَ) عِوَضُ قَوْلِهِ {تَنْكَشِفَ} وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» هُوَ أَوَّلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute