. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ (وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ: " مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " حَتَّى يُوضَعَ فِي اللَّحْدِ " وَلِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ تَبِعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ» فَاتَّفَقَا عَلَى صَدْرِ الْحَدِيثِ ثُمَّ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَفْظِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ اثْنَا عَشَرَ صَحَابِيًّا.
قَوْلُهُ: " إيمَانًا وَاحْتِسَابًا " قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ تَرَتُّبَ الثَّوَابِ عَلَى الْعَمَلِ يَسْتَدْعِي سَبْقَ النِّيَّةِ فَيَخْرُجُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُكَافَأَةِ الْمُجَرَّدَةِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمُحَابَاةِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ: " مِثْلُ أُحُدٍ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ (فَلَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ الْأَجْرِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ وَعِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ وَاثِلَةَ " كُتِبَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ الْأَجْرِ أَخَفُّهُمَا فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَثْقَلُ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ " وَالشُّهُودُ الْحُضُورُ وَظَاهِرُهُ الْحُضُورُ مَعَهَا مِنْ ابْتِدَاءِ الْخُرُوجِ بِهَا.
وَقَدْ وَرَدَ فِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ الْأَجْرِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ قِيرَاطٌ» وَالرِّوَايَاتُ إذَا رُدَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ تُقْضَى بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ الْمَذْكُورَ إلَّا مَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ تَبِعَهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَحْصُلُ الْأَجْرُ لِمَنْ صَلَّى وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى الصَّلَاةِ لَكِنْ يَكُونُ قِيرَاطُ مَنْ صَلَّى فَقَطْ دُونَ قِيرَاطِ مَنْ صَلَّى وَتَبِعَ، وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «إذَا صَلَّيْت عَلَى جِنَازَةٍ فَقَدْ قَضَيْت مَا عَلَيْك» أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ " إذَا صَلَّيْتُمْ " وَزَادَ فِي آخِرِهِ " فَخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَهْلِهَا " وَمَعْنَاهُ قَدْ قَضَيْت حَقَّ الْمَيِّتِ فَإِنْ أَرَدْت الِاتِّبَاعَ فَلَكَ زِيَادَةُ أَجْرٍ.
وَعَلَّقَ الْبُخَارِيُّ قَوْلَ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ «مَا عَلِمْنَا عَلَى الْجِنَازَةِ إذْنًا وَلَكِنْ مَنْ صَلَّى وَرَجَعَ فَلَهُ قِيرَاطٌ» وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَمِيرَانِ وَلَيْسَا أَمِيرَيْنِ الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الْجِنَازَةِ يُصَلِّي عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ وَلِيَّهَا» أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ مَوْقُوفٌ. وَقَدْ رُوِيَتْ فِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ.
وَلَمَّا كَانَ وَزْنُ الْأَعْمَالِ فِي الْآخِرَةِ لَيْسَ لَنَا طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهِ وَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ تَعْرِيفُنَا لِذَلِكَ إلَّا بِتَشْبِيهِهِ بِمَا نَعْرِفُهُ مِنْ أَحْوَالِ الْمَقَادِيرِ شَبَّهَ قَدْرَ الْأَجْرِ الْحَاصِلِ مِنْ ذَلِكَ بِالْقِيرَاطِ لِيُبْرِزَ لَنَا الْمَعْقُولَ فِي صُورَةِ الْمَحْسُوسِ.
وَلَمَّا كَانَ الْقِيرَاطُ حَقِيرَ الْقَدْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا نَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا نَبَّهَ عَلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ بِأَنَّهُ كَأُحُدٍ الْجَبَلِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَدِينَةِ، وَقَوْلُهُ: " حَتَّى تُدْفَنَ " ظَاهِرٌ فِي وُقُوعِ مُطْلَقِ الدَّفْنِ وَإِنْ لَمْ يُفْرَغْ مِنْهُ كُلُّهُ وَلَفْظُ " حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ " كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِمُسْلِمٍ " حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا " فَفِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute