. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْمِرْفَقَيْنِ، حَتَّى مَسَحَ أَطْرَافَ الْعَضُدَيْنِ، وَهُوَ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَالطَّبَرَانِيِّ، مِنْ حَدِيثِ " وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ " فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ: «وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَرَافِقَ» وَفِي الطَّحَاوِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ " ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبَّادٍ " عَنْ أَبِيهِ: «ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى سَالَ الْمَاءُ عَلَى مِرْفَقَيْهِ».
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، قَالَ " إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ": " إلَى " فِي الْآيَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْغَايَةِ، وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى: مَعَ، فَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّهَا بِمَعْنَى مَعَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُعْلَمُ خِلَافًا فِي إيجَابِ دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وَبِهَذَا عَرَفْت أَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ عَلَى دُخُولِ الْمَرَافِقِ؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، لَفْظُ " إلَى " يُفِيدُ مَعْنَى الْغَايَةِ مُطْلَقًا، فَأَمَّا دُخُولُهَا فِي الْحُكْمِ وَخُرُوجُهَا فَأَمْرٌ يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَمْثِلَةً لِذَلِكَ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ قَدْ قَامَ هَاهُنَا الدَّلِيلُ عَلَى دُخُولِهَا؛ [ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلُ ذَلِكَ] أَيْ إلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
[ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ] هُوَ مُوَافِقٌ لِلْآيَةِ فِي الْإِتْيَانِ بِالْبَاءِ، وَمَسَحَ يَتَعَدَّى بِهَا وَبِنَفْسِهِ؛ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّ الْبَاءَ هُنَا لِلتَّعْدِيَةِ، يَجُوزُ حَذْفُهَا وَإِثْبَاتُهَا، وَقِيلَ: دَخَلَتْ الْبَاءُ هَاهُنَا لِمَعْنًى تُفِيدُهُ وَهُوَ: أَنَّ الْغَسْلَ لُغَةً يَقْتَضِي مَغْسُولًا بِهِ، وَالْمَسْحَ لُغَةً لَا يَقْتَضِي مَمْسُوحًا بِهِ، فَلَوْ قَالَ: امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ - لَأَجْزَأَ الْمَسْحُ بِالْيَدِ بِغَيْرِ مَاءٍ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: فَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ الْمَاءَ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ: فَامْسَحُوا بِالْمَاءِ رُءُوسَكُمْ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يَجِبُ مَسْحُ كُلِّ الرَّأْسِ أَوْ بَعْضِهِ؟ قَالُوا: الْآيَةُ لَا تَقْتَضِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ بِعَيْنِهِ، إذْ قَوْلُهُ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} يَحْتَمِلُ جَمِيعَ الرَّأْسِ، أَوْ بَعْضَهُ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى اسْتِيعَابِهِ، وَلَا عَدَمِ اسْتِيعَابِهِ لَكِنَّ مَنْ قَالَ: يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِهِ قَالَ: إنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ مُبَيِّنَةً لِأَحَدِ احْتِمَالَيْ الْآيَةِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ» وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا، فَقَدْ اعْتَضَدَ بِمَجِيئِهِ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ " أَنَسٍ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهِ مَجْهُولٌ، فَقَدْ عُضِّدَ بِمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، مِنْ حَدِيثِ " عُثْمَانَ " فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ: «أَنَّهُ مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ» وَفِيهِ رَاوٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ.
وَثَبَتَ عَنْ " ابْنِ عُمَرَ " الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ: وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ.
وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ مَسْحِ الْبَعْضِ مَعَ التَّكْمِيلِ عَلَى الْعِمَامَةِ، لِحَدِيثِ " الْمُغِيرَةِ " " وَجَابِرٍ " عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَكْرَارَ مَسْحِ الرَّأْسِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ طَوَى ذِكْرَ التَّكْرَارِ أَيْضًا فِي الْمَضْمَضَةِ، كَمَا عَرَفْت، وَعَدَمُ الذِّكْرِ لَا دَلِيلَ فِيهِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ.
«ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى إلَى الْمِرْفَقِ، إلَّا أَنَّ الْمِرْفَقَ قَدْ اُتُّفِقَ عَلَى مُسَمَّاهُ بِخِلَافِ الْكَعْبَيْنِ، فَوَقَعَ فِي الْمُرَادِ بِهِمَا خِلَافَ الْمَشْهُورِ: أَنَّهُ الْعَظْمُ النَّاشِزُ عِنْدَ مُلْتَقَى السَّاقِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute