٦٠٧ - وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْطِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الْعَطَاءَ، فَيَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ مِنِّي، فَيَقُولُ،: خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ، أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَك مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فِي الْخُمُسِ سَهْمٌ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّصَّ لَا تُقَدَّمُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْعِلَلُ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ فَإِنَّهَا تَرْفَعُ النَّصَّ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا خِلَافُ الثَّابِتِ مِنْ النَّصِّ ثُمَّ هَذَا نَصٌّ عَلَى تَحْرِيمِ الْعِمَالَةِ عَلَى الْمَوَالِي وَبِالْأَوْلَى عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ الرَّجُلَ الَّذِي عَرَضَ عَلَى أَبِي رَافِعٍ أَنْ يُوَلِّيَهُ عَلَى بَعْضِ عَمَلِهِ الَّذِي وَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَنَالَ عِمَالَةً لَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ أُجْرَتِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِأَبِي رَافِعٍ أَخْذُهُ إذْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْخُمُسِ الَّذِينَ تَحِلُّ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَّكَ ذَلِكَ الرَّجُلَ أُجْرَتَهُ فَيُعْطِيهِ مِنْ مِلْكِهِ فَهُوَ حَلَالٌ؛ لِأَبِي رَافِعٍ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِيمَا سَلَفَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى مِنْهَا.
. وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْطِي عُمَرَ الْعَطَاءَ فَيَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ مِنِّي؛ فَيَقُولُ: خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ وَمَا جَاءَك مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ» بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَالْفَاءِ مِنْ الْإِشْرَافِ وَهُوَ التَّعَرُّضُ لِلشَّيْءِ وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ (وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ ") أَيْ لَا تُعَلِّقْهَا بِطَلَبِهِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) الْحَدِيثُ أَفَادَ أَنَّ الْعَامِلَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعِمَالَةَ وَلَا يَرُدَّهَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ فِي الْعِمَالَةِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.
وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ: " فَخُذْهُ " لِلنَّدَبِ وَقِيلَ: لِلْوُجُوبِ قِيلَ: وَهُوَ مَنْدُوبٌ فِي كُلِّ عَطِيَّةٍ يُعْطَاهَا الْإِنْسَانُ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ قَبُولُهَا بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْحَدِيثِ. هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ الَّذِي يُعْطِيهِ مِنْهُ حَلَالًا.
وَأَمَّا عَطِيَّةُ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ مَالُهُ حَلَالٌ وَحَرَامٌ. فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنَّ أَخْذَهَا جَائِزٌ مُرَخَّصٌ فِيهِ قَالَ: وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْيَهُودِ {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} وَقَدْ «رَهَنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرْعَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَكَذَا أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ». وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِنْ ثَمَنِ الْخِنْزِيرِ وَالْمُعَامَلَاتِ الْبَاطِلَةِ. انْتَهَى.
وَفِي الْجَامِعِ الْكَافِي أَنَّ عَطِيَّةَ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ لَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ عَيْنُ مَالِ الْمُسْلِمِ وَجَبَ قَبُولُهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَى مَالِكِهِ وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute