. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ) الْحَدِيثُ قَدْ صَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ عَنْ سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنَّهُ مُتَوَاتِرٌ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ مِنْ حَاجِمٍ وَمَحْجُومٍ لَهُ وَقَدْ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ إلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَتْبَاعُهُ لِحَدِيثِ شَدَّادٍ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ الْمَحْجُومُ لَهُ وَأَمَّا الْحَاجِمُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ هَذَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ فَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي أَوْجَبَ الْعَمَلَ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ وَأَمَّا الْجُمْهُورُ الْقَائِلُونَ: إنَّهُ لَا يُفْطِرُ حَاجِمٌ وَلَا مَحْجُومٌ لَهُ فَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ شَدَّادٍ هَذَا بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُتَأَخِّرٌ؛ لِأَنَّهُ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجِّهِ وَهُوَ سَنَةَ عَشْرٍ، وَشَدَّادٌ صَحِبَهُ عَامَ الْفَتْحِ كَذَا حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَتَوَقِّي الْحِجَامَةِ احْتِيَاطًا أَحَبُّ إلَيَّ.
وَيُؤَيِّدُ النَّسْخَ مَا يَأْتِي فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَازِمِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: إنَّ حَدِيثَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ثَابِتٌ بِلَا رَيْبٍ لَكِنْ وَجَدْنَا فِي حَدِيثٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ وَعَنْ الْمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُمَا إبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ» إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَا يُؤَيِّدُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ» وَالرُّخْصَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْعَزِيمَةِ فَدَلَّ عَلَى النَّسْخِ سَوَاءٌ كَانَ حَاجِمًا أَوْ مَحْجُومًا.
وَقِيلَ: إنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَيَدُلُّ لَهَا حَدِيثُ أَنَسٍ الْآتِي: وَقِيلَ: إنَّمَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَاصٍّ وَهُوَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِمَا وَهُمَا يَغْتَابَانِ النَّاسَ رَوَاهُ الْوُحَاظِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ " إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ النَّاسَ» وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ: إنَّهُ أُعْجُوبَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِهِ لَا يَقُولُ: إنَّ الْغِيبَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: وَمَنْ سَلِمَ مِنْ الْغِيبَةِ؟ لَوْ كَانَتْ الْغِيبَةُ تُفْطِرُ مَا كَانَ لَنَا صَوْمٌ.
وَقَدْ وَجَّهَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ الْإِفْطَارَ بِالْغِيبَةِ عَلَى سُقُوطِ أَجْرِ الصَّوْمِ مِثْلُ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُتَكَلِّمِ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ لَا جُمُعَةَ لَهُ» وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ سُقُوطَ الْأَجْرِ وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ أُعْجُوبَةً كَمَا قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ: الْمُرَادُ بِإِفْطَارِهِمَا تَعَرُّضُهُمَا لِلْإِفْطَارِ أَمَّا الْحَاجِمُ فَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ وُصُولَ شَيْءٍ مِنْ الدَّمِ إلَى جَوْفِهِ عِنْدَ الْمَصِّ وَأَمَّا الْمَحْجُومُ فَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ ضَعْفِ قُوَّتِهِ بِخُرُوجِ الدَّمِ فَيَئُولُ إلَى الْإِفْطَارِ.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي رَدِّ هَذَا التَّأْوِيلِ: إنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ لَهُ» نَصٌّ فِي حُصُولِ الْفِطْرِ لَهُمَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ بَقَاءُ صَوْمِهِمَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -