٦٦٢ - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تُشَدُّ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى أَنَّهُ نَفْيٌ وَيُرْوَى بِسُكُونِهَا عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ (الرِّحَالُ) جَمْعُ رَحْلٍ وَهُوَ لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ وَشَدُّهُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ لَازَمَهُ غَالِبًا (إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) أَيْ الْمُحَرَّمُ (وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) اعْلَمْ أَنَّ إدْخَالَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ: لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ النَّهْيُ مَجَازًا كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَسْتَقِيمُ شَرْعًا أَنْ يُقْصَدَ بِالزِّيَارَةِ إلَّا هَذِهِ الْبِقَاعُ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَا اُخْتُصَّتْ بِهِ مِنْ الْمَزِيَّةِ الَّتِي شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا. وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُوَ الْحَرَمُ كُلُّهُ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ «أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَذَا الْفَضْلُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحْدَهُ أَمْ فِي الْحَرَمِ؟ قَالَ: بَلْ فِي الْحَرَمِ كُلِّهِ» وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّعْيِينَ لِلْمَسْجِدِ قَالَ " مَسْجِدِي هَذَا " وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى بَيْتُ الْمَقْدِسِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَرَاءَهُ مَسْجِدٌ كَمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْمَسَاجِدِ هَذِهِ وَدَلَّ بِمَفْهُومِ الْحَصْرِ أَنَّهُ يُحَرَّمُ شَدُّ الرِّحَالِ لِقَصْدِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ كَزِيَارَةِ الصَّالِحِينَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا لِقَصْدِ التَّقَرُّبِ وَلِقَصْدِ الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ بِهَا وَالصَّلَاةِ فِيهَا وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَطَائِفَةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ إنْكَارِ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ خُرُوجَهُ إلَى الطُّورِ وَقَالَ: لَوْ أَدْرَكْتُك قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مَا خَرَجْت.
وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَوَافَقَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا لَا يَنْهَضُ وَتَأَوَّلُوا أَحَادِيثَ الْبَابِ بِتَآوِيلَ بَعِيدَةٍ وَلَا يَنْبَغِي التَّأْوِيلُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَنْهَضَ عَلَى خِلَافِ مَا أَوَّلُوهُ الدَّلِيلُ وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى فَضْلِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّ أَفْضَلَهَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ؛ لِأَنَّ لِلتَّقْدِيمِ ذِكْرًا يَدُلُّ عَلَى مَزِيَّةِ الْمُقَدَّمِ ثُمَّ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. وَقَدْ دَلَّ لِهَذَا أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَحَسَّنَ إسْنَادَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute