. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِالتَّدْلِيسِ وَالْغَرَرِ كَذَا قِيلَ إلَّا أَنِّي لَمْ أَرَ التَّعْلِيلَ بِهِمَا مَنْصُوصًا، وَأَمَّا التَّصْرِيَةُ لَا لِلْبَيْعِ بَلْ لِيَجْتَمِعَ الْحَلِيبُ لِنَفْعِ الْمَالِكِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إيذَاءٌ لِلْحَيَوَانِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضْرَارٌ فَيَجُوزُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ وَلَوْ ظَهَرَتْ التَّصْرِيَةُ بِغَيْرِ حَلْبٍ فَالْخِيَارُ ثَابِتٌ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ قَاضٍ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالتَّصْرِيَةِ فَوْرِيٌّ لِأَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ تَدُلُّ عَلَى التَّعْقِيبِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي لِقَوْلِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ ثَلَاثًا، وَأُجِيبَ مِنْ طَرَفِ الْقَائِلِ بِالْفَوْرِ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ إلَّا فِي الثَّالِثِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تُعْلَمُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لِجَوَازِ النُّقْصَانِ بِاخْتِلَافِ الْعَلَفِ وَنَحْوِهِ، وَلِأَنَّ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالطَّحَاوِيِّ " فَهُوَ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ بِالْخِيَارِ إلَى أَنْ يَحُوزَهَا أَوْ يَرُدَّهَا " وَأَمَّا ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ فَفِيهِ خِلَافٌ قِيلَ مِنْ بَعْدِ تَبَيُّنِ التَّصْرِيَةِ وَقِيلَ مِنْ عِنْدِ الْعَقْدِ وَقِيلَ مِنْ التَّفَرُّقِ. وَدَلَّ الْحَدِيثُ أَنَّهُ يَرُدُّ عِوَضَ اللَّبَنِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ بِذِكْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ فَقَدْ رَجَّحَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ التَّمْرِ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: (الْأَوَّلُ) لِلْجُمْهُورِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِإِثْبَاتِ الرَّدِّ لِلْمُصَرَّاةِ وَرَدِّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ سَوَاءٌ كَانَ اللَّبَنُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا وَالتَّمْرُ قُوتًا لِأَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ لَا.
(وَالثَّانِي) لِلْهَادَوِيَّةِ فَقَالُوا: فَتُرَدُّ الْمُصَرَّاةُ وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا بِرَدِّ اللَّبَنِ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَوْ مِثْلِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا أَوْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الرَّدِّ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ الْمِثْلُ قَالُوا: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ أَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَبِالْمِثْلِ وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَبِالْقِيمَةِ، وَاللَّبَنُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ضُمِنَ بِمِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا قُوِّمَ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَضُمِنَ بِذَلِكَ فَكَيْفَ يُضْمَنُ بِالتَّمْرِ أَوْ الطَّعَامِ قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَخْتَلِفَ الضَّمَانُ بِقَدْرِ اللَّبَنِ وَلَا يُقَدَّرُ بِصَاعٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تَضَمَّنَ الْعُمُومَ فِي جَمِيعِ الْمُتْلَفَاتِ وَهَذَا خَاصٌّ وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ. أَمَّا تَقْدِيرُ الصَّاعِ فَإِنَّهُ قَدَّرَهُ الشَّارِعُ لِيَدْفَعَ التَّشَاجُرَ لِعَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ قَدْرِ اللَّبَنِ لِجَوَازِ اخْتِلَاطِهِ بِحَادِثٍ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَقَطَعَ الشَّارِعُ النِّزَاعَ وَقَدَّرَهُ بِحَدٍّ لَا يَبْعُدُ رَفْعًا لِلْخُصُومَةِ وَقَدَّرَهُ بِأَقْرَبَ شَيْءٍ إلَى اللَّبَنِ فَإِنَّهُمَا كَانَا قُوتًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَلِهَذَا الْحُكْمِ نَظَائِرُ فِي الشَّرِيعَةِ وَهُوَ ضَمَانُ الْجِنَايَاتِ كَالْمُوضِحَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute