٨٠٤ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ الَّذِي بَاعَهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ فِيمَا بَاعَهُ بَيْعًا غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَأَنَّهُ وَقَعَ الْبَيْعُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ بُدُوِّهِ، وَيُحْتَمَلُ وُرُودُهُ أَيْ حَدِيثِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ قَبْلَ النَّهْيِ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَبْتَاعُ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَسَمِعَ خُصُومَةً فَقَالَ مَا هَذَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا» فَأَفَادَ مَعَ ذِكْرِ سَبَبِ النَّهْيِ تَارِيخَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ حَدِيثُ وَضْعِ الْجَوَائِحِ مُتَأَخِّرًا فَيُحْمَلُ أَيْ حَدِيثُ وَضْعِ الْجَوَائِحِ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ فَذَهَبَ الْأَقَلُّ إلَى أَنَّ الْجَائِحَةَ إذَا أَصَابَتْ الثَّمَرَ جَمِيعَهُ أَنْ يُوضَعَ الثَّمَنُ جَمِيعُهُ وَأَنَّ التَّلَفَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّ التَّلَفَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ لَا وَضْعَ لِأَجْلِ الْجَائِحَةِ إلَّا نَدْبًا وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَى الَّذِي أُصِيبَ فِي ثِمَارِهِ» وَسَيَأْتِي. قَالُوا: وَوَجْهُ تَلَفِهِ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ وَقَدْ سَلَّمَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِالتَّخْلِيَةِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ «فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا» الْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَأَنَّهُ تَلَفٌ عَلَى الْبَائِعِ لِقَوْلِهِ مَالُ أَخِيك إذْ يَدُلُّ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْهُ الثَّمَنَ، وَأَنَّهُ مَالُ أَخِيهِ لَا مَالُهُ، وَحَدِيثُ التَّصَدُّقِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: لَا يَحِلُّ لَك وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالتَّصَدُّقِ وَالْإِرْشَادِ إلَى الْوَفَاءِ بِغَرَضَيْنِ جَبْرُ الْبَائِعِ وَتَعْرِيضُ الْمُشْتَرِي لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي آخَرِ الْحَدِيثِ لَمَّا طَلَبُوا الْوَفَاءَ «لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» فَلَوْ كَانَ لَازِمًا لَأَمَرَهُمْ بِالنَّظِرَةِ إلَى مَيْسَرَةٍ ".
(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا» هُوَ اسْمُ جِنْسٍ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ نَخْلٌ «بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ» وَالتَّأْبِيرُ التَّشْقِيقُ وَالتَّلْقِيحُ وَهُوَ شَقُّ طَلْعِ النَّخْلَةِ الْأُنْثَى لِيُذَرَّ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ طَلْعِ النَّخْلَةِ الذَّكَرِ «فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ لِلْبَائِعِ وَهَذَا مَنْطُوقُهُ وَمَفْهُومُهُ إنَّهَا قَبْلَهُ لِلْمُشْتَرِي. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَبَعْدَهُ فَعَمِلَ بِالْمَنْطُوقِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِالْمَفْهُومِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute