للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) فَاعِلُ يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ هُوَ الْمُرْتَهِنُ بِقَرِينَةِ الْعِوَضِ وَهُوَ الرُّكُوبُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ الرَّاهِنُ إلَّا أَنَّهُ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَازِمَةٌ لَهُ فَإِنَّ الْمَرْهُونَ مِلْكُهُ وَقَدْ جُعِلَتْ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الرَّاكِبِ وَالشَّارِبِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَالِكِ إذْ النَّفَقَةُ لَازِمَةٌ لِلْمَالِكِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنُ الِانْتِفَاعَ بِالرَّهْنِ فِي مُقَابَلَةِ نَفَقَتِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إلَى الْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَخَصُّوا ذَلِكَ بِالرُّكُوبِ وَالدَّرِّ فَقَالُوا يَنْتَفِعُ بِهِمَا بِقَدْرِ قِيمَةِ النَّفَقَةِ وَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُمَا عَلَيْهِمَا.

(وَالثَّانِي) لِلْجُمْهُورِ قَالُوا لَا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءٍ قَالُوا وَالْحَدِيثُ خَالَفَ الْقِيَاسَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَوَّلُهُمَا تَجْوِيزُ الرُّكُوبِ وَالشُّرْبِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَثَانِيهمَا تَضْمِينُهُ ذَلِكَ بِالنَّفَقَةِ لَا بِالْقِيمَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَرُدُّهُ أُصُولٌ مُجْتَمِعَةٌ وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ لَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهَا، وَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «لَا تُحْلَبُ مَاشِيَةُ امْرِئٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَبْوَابِ الْمَظَالِمِ (قُلْت) أَمَّا النَّسْخُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَا تَعَذُّرَ هُنَا إذْ يَخُصُّ عُمُومَ النَّهْيِ بِالْمَرْهُونَةِ، وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْقِيَاسِ فَلَيْسَتْ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مُطَّرِدَةً عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ بَلْ الْأَدِلَّةُ تُفَرِّقُ بَيْنَهَا فِي الْأَحْكَامِ، وَالشَّارِعُ حَكَمَ هُنَا بِرُكُوبِ الْمَرْهُونِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ وَجَعَلِهِ قِيمَةَ النَّفَقَةِ وَقَدْ حَكَمَ الشَّارِعُ بِبَيْعِ الْحَاكِمِ عَنْ الْمُتَمَرِّدِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَجَعَلَ صَاعَ التَّمْرِ عِوَضًا عَنْ اللَّبَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الرَّاهِنُ مِنْ ظَهْرِهَا وَدَرِّهَا فَجَعَلَ الْفَاعِلَ الرَّاهِنَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ بِلَفْظِ الْمُرْتَهِنِ فَتَعَيَّنَ الْفَاعِلُ.

(وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) لِلْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَرْهُونِ فَيُبَاحُ حِينَئِذٍ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْحَيَوَانِ حِفْظًا لِحَيَاتِهِ وَجَعَلَ لَهُ فِي مُقَابِلِ النَّفَقَةِ الِانْتِفَاعَ بِالرُّكُوبِ أَوْ شُرْبِ اللَّبَنِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ قَدْرُ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتُهُ عَلَى قَدْرِ عَلَفِهِ، وَقَوَّى هَذَا الْقَوْلَ فِي الشَّرْحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْحَدِيثِ بِمَا لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ الشَّارِعُ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالضَّابِطِ الْمُتَصَيَّدِ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ عَيْنٍ فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَالِكِ وَلَهُ أَنْ يُؤْجِرَهَا أَوْ يَتَصَرَّفَ فِي لَبَنِهَا فِي قِيمَةِ الْعَلَفِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فَلَا رُجُوعَ بِمَا أَنْفَقَ وَيَلْزَمُهُ غَرَامَةُ الْمَنْفَعَةِ وَاللَّبَنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ أَوْ كَانَ يَتَضَرَّرُ الْحَيَوَانُ بِمُدَّةِ الرُّجُوعِ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ وَيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهَا قَاعِدَةٌ عَامَّةٌ فَتُخَصُّ بِحَدِيثِ الْكِتَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>