٥٣ - عَنْ «الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَتَوَضَّأَ، فَأَهْوَيْت لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِلْأَرْبَعَةِ عَنْهُ إلَّا النَّسَائِيّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ». وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
[عَنْ " الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أَيْ فِي سَفَرٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي دَاوُد تَعْيِينُ السَّفَرِ أَنَّهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَتَعْيِينُ الصَّلَاةِ أَنَّهَا صَلَاةُ الْفَجْرِ [فَتَوَضَّأَ] أَيْ أَخَذَ فِي الْوُضُوءِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ، فَفِي لَفْظٍ: [تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ] وَفِي أُخْرَى: [فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ]
فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَوَضَّأَ أَخَذَ فِيهِ، لَا أَنَّهُ اسْتَكْمَلَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ [فَأَهْوَيْت] أَيْ مَدَدْت يَدِي، أَوْ قَصَدَتْ الْهَوِيَّ مِنْ الْقِيَامِ إلَى الْقُعُودِ [لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ] كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ عَلِمَ بِرُخْصَةِ الْمَسْحِ، أَوْ عَلِمَهَا وَظَنَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيَفْعَلُ الْأَفْضَلَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ، وَيَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ، أَوْ جَوَازُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ شَرْطُ الْمَسْحِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ أَقْرَبُ لِقَوْلِهِ [فَقَالَ: دَعْهُمَا] أَيْ الْخُفَّيْنِ [فَإِنِّي أَدْخَلَتْهُمَا طَاهِرَتَيْنِ] حَالٌ مِنْ الْقَدَمَيْنِ كَمَا تُبَيِّنُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد [فَإِنِّي أَدْخَلْت الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ] [فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا] [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ؛ وَلَفْظُهُ هُنَا لِلْبُخَارِيِّ. وَذَكَرَ الْبَزَّارُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ " الْمُغِيرَةِ " مِنْ سِتِّينَ طَرِيقًا، وَذَكَرَ مِنْهَا ابْنُ مَنْدَهْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ طَرِيقًا.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِيهِ كَمَا عَرَفْت.
وَأَمَّا فِي الْحَضَرِ فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، فَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِهِ سَفَرًا لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَحَضَرًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ، قَالَ " أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ": فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنْ الصَّحَابَةِ مَرْفُوعَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: فِيهِ عَنْ أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ صَحَابِيًّا.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ: وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ أَسْمَاءَ مَنْ رَوَاهُ فِي تَذْكِرَتِهِ، فَبَلَغُوا ثَمَانِينَ صَحَابِيًّا، وَالْقَوْلُ بِالْمَسْحِ قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ " عَلِيٍّ " - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، " وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ "، " وَبِلَالٍ، " وَحُذَيْفَةَ "، " وَبُرَيْدَةَ "، " وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ "،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute