٨٧٢ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أَصَابَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَصَبْت أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ. قَالَ: إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ: أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُورَثُ، وَلَا يُوهَبُ، فَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ،
فِي بَابِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ فَسَّرَ الْعُلَمَاءُ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ بِالْوَقْفِ وَكَانَ أَوَّلُ وَقْفٍ فِي الْإِسْلَامِ وَقْفَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْآتِي حَدِيثُهُ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ أَوَّلَ حَبْسٍ فِي الْإِسْلَامِ صَدَقَةُ عُمَرَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ خِلَافًا فِي جَوَازِ وَقْفِ الْأَرْضِينَ، وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْإِسْلَامِ لَا يُعْلَمُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَلْفَاظُهُ وَقَفْت وَحَبَسْت وَسَبَّلْت وَأَبَّدْت فَهَذِهِ صَرَائِحُ أَلْفَاظِهِ، وَكِنَايَتُهُ تَصَدَّقْت، وَاخْتُلِفَ فِي حَرَّمْت فَقِيلَ صَرِيحٌ وَقِيلَ غَيْرُ صَرِيحٍ. وَقَوْلُهُ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ الْمُرَادُ النَّفْعُ الْأُخْرَوِيُّ فَيَخْرُجُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَعِلْمِ النُّجُومِ مِنْ حَيْثُ أَحْكَامُ السَّعَادَةِ وَضِدِّهَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَلَّفَ عِلْمًا نَافِعًا أَوْ نَشَرَهُ فَبَقِيَ مَنْ يَرْوِيه عَنْهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ، أَوْ كَتَبَ عِلْمًا نَافِعًا وَلَوْ بِالْأُجْرَةِ مَعَ النِّيَّةِ أَوْ وَقَفَ كُتُبًا، وَلَفْظُ الْوَلَدِ شَامِلٌ لِلْأُنْثَى وَالذَّكَرِ، وَشَرْطُ صَلَاحِهِ لِيَكُونَ الدُّعَاءُ مُجَابًا، وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْقَطِعُ أَجْرُ كُلِّ عَمَلٍ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَّا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فَإِنَّهُ يَجْرِي أَجْرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَتَجَدَّدُ ثَوَابُهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دُعَاءَ الْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ يَلْحَقُهُمَا، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الدُّعَاءِ مِنْ الصَّدَقَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ زِيدَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ «أَنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا نَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَوَرَدَتْ خِصَالٌ أُخَرُ تُبْلِغُهَا عَشْرًا وَنَظَمَهَا الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ:
إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ لَيْسَ يَجْرِي … عَلَيْهِ مِنْ فِعَالٍ غَيْرِ عَشْرِ
عُلُومٌ بَثَّهَا وَدُعَاءُ نَجْلٍ … وَغَرْسُ النَّخْلِ وَالصَّدَقَاتِ تَجْرِي
وِرَاثَةُ مُصْحَفٍ وَرِبَاطُ ثَغْرٍ … وَحَفْرُ الْبِئْرِ أَوْ إجْرَاءُ نَهْرِ
وَبَيْتٌ لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي … إلَيْهِ أَوْ بِنَاءُ مَحَلِّ ذِكْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute