للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْوِجَاءُ رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ، وَالْإِخْصَاءُ سَلْبُهُمَا، وَالْمُرَادُ أَنَّ الصَّوْمَ كَالْوِجَاءِ، وَالْأَمْرُ بِالتَّزَوُّجِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِ مُؤْنَتِهِ، وَإِلَى الْوُجُوبِ ذَهَبَ دَاوُد، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ عَلَى الْوَطْءِ إنْ وَجَدَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الصَّوْمِ، وَقَالَ إنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّهُ تَعَالَى خَيَّرَ بَيْنَ التَّزَوُّجِ وَالتَّسَرِّي بِقَوْلِهِ {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَالتَّسَرِّي لَا يَجِبُ إجْمَاعًا فَكَذَا النِّكَاحُ لِأَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ إلَّا أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِخِلَافِ دَاوُد وَابْنِ حَزْمٍ، وَذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ عَلَى مَنْ خَافَ الْعَنَتَ، وَقَدَرَ عَلَى النِّكَاحِ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّسَرِّي، وَكَذَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا إلَّا بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ، وَيُنْدَبُ لَهُ، وَيُبَاحُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنْ يُخِلُّ بِالزَّوْجَةِ فِي الْوَطْءِ، وَالْإِنْفَاقِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَتَوَقَانِهِ إلَيْهِ، وَيُكْرَهُ فِي حَقِّ مِثْلِ هَذَا حَيْثُ لَا إضْرَارَ بِالزَّوْجَةِ، وَالْإِبَاحَةُ فِيمَا إذَا انْتَفَتْ الدَّوَاعِي وَالْمَوَانِعُ، وَيُنْدَبُ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ يُرْجَى مِنْهُ النَّسْلُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْوَطْءِ شَهْوَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ» وَلِظَوَاهِرِ الْحَثِّ عَلَى النِّكَاحِ، وَالْأَمْرِ بِهِ، وَقَوْلُهُ «فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ» إغْرَاءٌ بِلُزُومِ الصَّوْمِ، وَضَمِيرُ " عَلَيْهِ " يَعُودُ إلَى مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ فِي الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا جُعِلَ الصَّوْمُ وِجَاءٌ لِأَنَّهُ بِتَقْلِيلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ انْكِسَارٌ عَنْ الشَّهْوَةِ، وَلِسِرٍّ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّوْمِ فَلَا يَنْفَعُ تَقْلِيلُ الطَّعَامِ وَحْدَهُ مِنْ دُونِ صَوْمٍ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَازِ التَّدَاوِي لِقَطْعِ الشَّهْوَةِ بِالْأَدْوِيَةِ، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى دَوَاءٍ يُسَكِّنُ الشَّهْوَةَ، وَلَا يَقْطَعُهَا بِالْأَصَالَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْوَى عَلَى وِجْدَانِ مُؤَنِ النِّكَاحِ بَلْ قَدْ وَعَدَ اللَّهُ مَنْ يَسْتَعِفُّ أَنْ يُغْنِيَهُ مِنْ فَضْلِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِغْنَاءَ غَايَةً لِلِاسْتِعْفَافِ، وَلِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِ الْجَبِّ وَالْإِخْصَاءِ فَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى تَحْصِيلِ مَا يَغُضُّ بِهِ الْبَصَرَ، وَيُحْصِنُ الْفَرْجَ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّفُ لِلنِّكَاحِ بِغَيْرِ الْمُمْكِنِ كَالِاسْتِدَانَةِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْعِرَاقِيُّ عَلَى أَنَّ التَّشْرِيكَ فِي الْعِبَادَةِ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الرِّيَاءِ لَكِنَّهُ يُقَالُ إنْ كَانَ الْمُشَرَّكُ عِبَادَةً كَالْمُشَرَّكِ فِيهِ فَلَا يَضُرُّ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالصَّوْمِ تَحْصِينُ الْفَرْجِ، وَغَضُّ الْبَصَرِ، وَأَمَّا تَشْرِيكُ الْمُبَاحِ كَمَا لَوْ دَخَلَ إلَى الصَّلَاةِ لِتَرْكِ خِطَابِ مَنْ يَحِلُّ خِطَابُهُ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ صِحَّةِ الْقِيَاسِ نَعَمْ إنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ لِتَرْكِ الْخَوْضِ فِي الْبَاطِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>