. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الظَّاهِرِيَّةَ تَقُولُ بِوُجُوبِهَا، وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَهُمْ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ مَنْفَعَةً كَالتَّعْلِيمِ فَإِنَّهُ مَنْفَعَةٌ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِصَّةُ مُوسَى مَعَ شُعَيْبٍ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ كَوْنِهِ مَنْفَعَةً الْهَادَوِيَّةُ، وَخَالَفَتْ الْحَنَفِيَّةُ، وَتُكَلَّفُوا لِتَأْوِيلِ الْحَدِيثِ، وَادَّعَوْا أَنَّ التَّزَوُّجَ بِغَيْرِ مَهْرٍ مِنْ خَوَاصِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ «بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» يَحْتَمِلُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا أَنْ يُعَلِّمَهَا مَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنْهُ، وَيَكُونَ ذَلِكَ صَدَاقًا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ «فَعَلِّمْهَا مِنْ الْقُرْآنِ»، وَفِي بَعْضِهَا تَعْيِينُ عَشْرٍ مِنْ الْآيَاتِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّعْلِيلِ، وَأَنَّهُ زَوَّجَهُ بِهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ إكْرَامًا لَهُ لِكَوْنِهِ حَافِظًا لِبَعْضٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ قِصَّةُ أُمِّ سُلَيْمٍ مَعَ أَبِي سُلَيْمٌ، وَذَلِكَ " أَنَّهُ خَطَبَهَا فَقَالَتْ، وَاَللَّهِ مَا مِثْلُك يُرَدُّ، وَلَكِنَّك كَافِرٌ، وَأَنَا مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَك فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَلِكَ مَهْرُك، وَلَا أَسْأَلُك غَيْرَهُ فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيّ " بَابُ التَّزْوِيجِ عَلَى الْإِسْلَامِ " وَتَرْجَمَ عَلَى حَدِيثِ سَهْلٍ هَذَا بِقَوْلِهِ بَابُ التَّزْوِيجِ عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَهَذَا تَرْجِيحٌ مِنْهُ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي لِثُبُوتِ رِوَايَةِ فَعَلِّمْهَا مِنْ الْقُرْآنِ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا قَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ فِي الْحَدِيثِ فَرُوِيَ بِالتَّمْلِيكِ وَبِالتَّزْوِيجِ وَبِالْإِمْكَانِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ هَذِهِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ اخْتَلَفَتْ مَعَ اتِّحَادِ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَفْظٌ وَاحِدٌ فَالْمَرْجِعُ فِي هَذَا إلَى التَّرْجِيحِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى قَدْ زَوَّجْتُكَهَا، وَأَنَّهُمْ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ، وَأَطَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَلْفَاظِ ثُمَّ قَالَ فَرِوَايَةُ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ أَرْجَحُ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ التِّينِ إنَّهُ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ رِوَايَةُ زَوَّجْتُكَهَا، وَأَنَّ رِوَايَةَ مَلَّكْتُكَهَا وَهِمَ فِيهِ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّ ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ مِنْهُ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ عَلَى وَفْقِ قَوْلِ الْخَاطِبِ زَوِّجْنِيهَا إذْ هُوَ الْغَالِبُ فِي لَفْظِ الْعُقُودِ إذْ قَلَّمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ لَفْظُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَقَدْ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ، وَالْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ إلَى جَوَازِ الْعَقْدِ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَعْنَاهُ إذَا قُرِنَ بِهِ الصَّدَاقُ أَوْ قُصِدَ بِهِ النِّكَاحُ كَالتَّمْلِيكِ، وَنَحْوِهِ وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute