. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَصَحَّحَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ فَقَوْلُهُ «بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا» يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهَا جَازَ أَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَفْهُومٌ لَا يَقْوَى عَلَى مُعَارَضَةِ الْمَنْطُوقِ بِاشْتِرَاطِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ طَعَنُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَسُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَاَلَّذِي رَوَى هَذَا الْقَدْحَ هُوَ إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ الْقَاضِي عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ الرَّاوِي عَنْ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْهُ أَيْ عَنْ الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نِسْيَانِ الزُّهْرِيِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى وَهَمَ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَثْنَى الزُّهْرِيُّ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَقَدْ طَالَ كَلَامُ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَاسْتَوْفَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى، وَقَدْ عَاضَدَتْهُ أَحَادِيثُ اعْتِبَارِ الْوَلِيِّ، وَغَيْرُهَا مِمَّا يَأْتِي فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ إذْنِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ بِعَقْدِهِ لَهَا أَوْ عَقْدِ وَكِيلِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ بِالدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا لِقَوْلِهِ «فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَلَّ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ فَهُوَ بَاطِلٌ مَعَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، وَأَنَّ النِّكَاحَ يُسَمَّى بَاطِلًا وَصَحِيحًا، وَلَا وَاسِطَةَ، وَقَدْ أَثْبَتَ الْوَاسِطَةَ الْهَادَوِيَّةُ، وَجَعَلُوهَا الْعَقْدَ الْفَاسِدَ قَالُوا: وَهُوَ مَا خَالَفَ مَذْهَبَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا جَاهِلَيْنِ، وَلَمْ تَكُنْ الْمُخَالَفَةُ فِي أَمْرٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ مُبَيَّنَةٌ فِي الْفُرُوعِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ «فَإِنْ اشْتَجَرُوا» عَائِدٌ إلَى الْأَوْلِيَاءِ الدَّالِّ عَلَيْهِمْ ذِكْرُ الْوَلِيِّ وَالسِّيَاقُ، وَالْمُرَادُ بِالِاشْتِجَارِ مَنْعُ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَهَذَا هُوَ الْعَضْلُ، وَبِهِ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى السُّلْطَانِ إنْ عَضَلَ الْأَقْرَبُ، وَقِيلَ بَلْ تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبْعَدِ، وَانْتِقَالُهَا إلَى السُّلْطَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ الْأَقْرَبِ الْأَبْعَدَ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا لِعَدَمِهِ أَوْ لِمَنْعِهِ، وَمِثْلُهُمَا غَيْبَةُ الْوَلِيِّ، وَيُؤَيِّدُ حَدِيثَ الْبَابِ مَا.
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»، وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ سُفْيَانُ فِي جَامِعِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ أَوْ سُلْطَانٍ» ثُمَّ الْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ مَنْ إلَيْهِ الْأَمْرُ جَائِرًا كَانَ أَوْ عَادِلًا لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالْأَمْرِ لِطَاعَةِ السُّلْطَانِ جَائِرًا أَوْ عَادِلًا، وَقِيلَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْعَادِلُ الْمُتَوَلِّي لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ لَا سَلَاطِينُ الْجَوْرِ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلٍ لِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute