للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) هِيَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنُ أَخْطَبَ مِنْ سِبْطِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ كَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ وَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَوَقَعَتْ صَفِيَّةُ فِي السَّبْيِ فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَمَاتَتْ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ جَعْلِ الْعِتْقِ صَدَاقًا أَيْ عِبَارَةٌ وَقَعَتْ تُفِيدُ ذَلِكَ وَلِلْفُقَهَاءِ عِدَّةُ عِبَارَاتٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْعِبَارَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

وَذَهَبَ إلَى صِحَّةِ جَعْلِ الْعِتْقِ مَهْرًا الْهَادَوِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى عَدَمِ صِحَّةِ جَعْلِ الْعِتْقِ مَهْرًا وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا قِيمَتَهَا وَكَانَتْ مَعْلُومَةً فَتَزَوَّجَهَا بِهَا وَيَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ فِي مُسْلِمٍ بِلَفْظِ «ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ رَاوِيهِ: قَالَ ثَابِتٌ لِأَنَسٍ بَعْدَ أَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا وَأَعْتَقَهَا فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ أَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَ الْعِتْقِ صَدَاقًا.

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ هَذَا شَيْءٌ فَهِمَهُ أَنَسٌ فَعَبَّرَ بِهِ وَيَجُوزُ أَنَّ فَهْمَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَعْرَفُ بِاللَّفْظِ وَأَفْهَمُ لَهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْعِتْقَ صَدَاقًا فَهُوَ رَاوٍ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِ لِثِقَتِهِ يُوجِبُ قَبُولَ رِوَايَتِهِ لِلْأَفْعَالِ كَمَا يُوجِبُ قَبُولَهَا لِلْأَقْوَالِ وَإِلَّا لَزِمَ رَدُّ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إذْ لَمْ يَنْقُلْ الصَّحَابَةُ اللَّفْظَ النَّبَوِيَّ إلَّا فِي شَيْءٍ قَلِيلٍ وَأَكْثَرُ مَا يَرْوُونَهُ بِالْمَعْنَى كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَرِوَايَةُ الْمَعْنَى عُمْدَتُهَا فَهْمُهُ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَمْ يَرْفَعْهُ أَنَسٌ بَلْ قَالَهُ تَظَنُّنًا خِلَافُ ظَاهِرِ لَفْظِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: جَعَلَ - يُرِيدُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَاقَهَا عِتْقَهَا وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ مِنْ حَدِيثِ صَفِيَّةَ قَالَتْ: «أَعْتَقَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلَ عِتْقِي صَدَاقِي» هُوَ صَرِيحٌ فِيمَا رَوَاهُ أَنَسٌ وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ تَظَنُّنًا كَمَا قِيلَ وَإِنَّمَا خَالَفَ الْجُمْهُورُ الْحَدِيثَ وَتَأَوَّلُوهُ؛ قَالُوا: لِأَنَّهُ خَالَفَ الْقِيَاسَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَقْدَهَا عَلَى نَفْسِهَا إمَّا أَنْ يَقَعَ قَبْلَ عِتْقِهَا وَهُوَ مُحَالٌ وَإِمَّا بَعْدَهُ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهَا. وَالثَّانِي أَنَّا إنْ جَعَلْنَا الْعِتْقَ صَدَاقًا فَإِمَّا أَنْ يَتَقَرَّرَ الْعِتْقُ حَالَةَ الرِّقِّ وَهُوَ مُحَالٌ أَيْضًا لِتَنَاقُضِهِمَا أَوْ حَالَةَ الْحُرِّيَّةِ فَيَلْزَمُ سَبْقُهَا عَلَى الْعَقْدِ فَيَلْزَمُ وُجُودُ الْعِتْقِ حَالَ فَرْضِ عَدَمِهِ وَهُوَ مُحَالٌ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ تَقَرُّرُهُ عَلَى الزَّوْجِ إمَّا نَصًّا وَإِمَّا حُكْمًا حَتَّى تَمْلِكَ الزَّوْجَةُ طَلَبَهُ وَلَا يَتَأَتَّى مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا.

وَأُجِيبَ أَوَّلًا أَنَّهُ بَعْدَ صِحَّةِ الْقِصَّةِ لَا يُبَالِي بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ. وَثَانِيًا بَعْدَ تَسْلِيمِ مَا قَالُوهُ فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِذَا امْتَنَعَتْ مِنْ الْعَقْدِ لَزِمَهَا السِّعَايَةُ بِقِيمَتِهَا وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْعِتْقَ مَنْفَعَةٌ يَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهَا وَالْمَنْفَعَةُ إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مِثْلَ سُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الزَّوْجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ ثَوَابَ الْعِتْقِ عَظِيمٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَفُوتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>