. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشَّافِعِيَّةُ بِظَاهِرِهِ فَقَالُوا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَى الدَّعْوَةِ مُطْلَقًا، وَزَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَغَيْرِهَا فَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى وُجُوبِ إجَابَةِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَصَرَّحَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ.
وَعَنْ الْبَعْضِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَعَدَمِ الرُّخْصَةِ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ قَالَ إتْيَانُ دَعْوَةِ الْوَلِيمَةِ حَقٌّ، وَالْوَلِيمَةُ الَّتِي تُعْرَفُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ، وَكُلُّ دَعْوَةٍ دُعِيَ إلَيْهَا رَجُلٌ وَلِيمَةٌ فَلَا أُرَخِّصُ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهَا، وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ عَاصٍ كَمَا تَبَيَّنَ لِي فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَفِي الْبَحْرِ لِلْمَهْدِيِّ حِكَايَةُ إجْمَاعِ الْعِتْرَةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فِي الْوَلَائِمِ كُلِّهَا هَذَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ، وَقَدْ يَسُوغُ تَرْكُ الْإِجَابَةِ لِأَعْذَارٍ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي الطَّعَامِ شُبْهَةٌ أَوْ يُخَصَّ بِهَا الْأَغْنِيَاءُ أَوْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ مَعَهُ أَوْ لَا يَلِيقُ لِمُجَالَسَتِهِ أَوْ يَدْعُوهُ لِخَوْفِ شَرِّهِ أَوْ لِطَمَعٍ فِي جَاهِهِ أَوْ لِيُعَاوِنَهُ عَلَى بَاطِلٍ أَوْ يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ مِنْ خَمْرٍ أَوْ لَهْوٍ أَوْ فِرَاشِ حَرِيرٍ أَوْ سِتْرٍ لِجِدَارِ الْبَيْتِ أَوْ صُورَةٍ فِي الْبَيْتِ أَوْ يَعْتَذِرُ إلَى الدَّاعِي فَيَتْرُكُهُ أَوْ كَانَتْ فِي الثَّالِثِ كَمَا يَأْتِي فَهَذِهِ الْأَعْذَارُ وَنَحْوُهَا فِي تَرْكِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالنَّدْبِ بِالْأَوْلَى، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِمَّا عُلِمَ مِنْ الشَّرِيعَةِ، وَمِنْ قَضَايَا وَقَعَتْ لِلصَّحَابَةِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ دَعَاهُ ابْنُ عُمَرَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا عَلَى الْجِدَارِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: غَلَبَنَا عَلَيْهِ النِّسَاءُ فَقَالَ مَنْ كُنْت أَخْشَى عَلَيْهِ فَلَمْ أَكُنْ أَخْشَى عَلَيْك، وَاَللَّهِ لَا أُطْعَمُ لَك طَعَامًا فَرَجَعَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَوَصَلَهُ أَحْمَدُ، وَمُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ عَرَّسْت فِي عَهْدِ أَبِي فَأَذِنَّا النَّاسَ فَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ فِيمَنْ أَذِنَّا، وَقَدْ سَتَرُوا بَيْتِي بِبِجَادٍ أَخْضَرَ فَأَقْبَلَ أَبُو أَيُّوبَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَسْتُرُونَ الْجُدُرَ فَقَالَ أَبِي وَاسْتَحَى غَلَبَنَا عَلَيْهِ النِّسَاءُ يَا أَبَا أَيُّوبَ فَقَالَ مَنْ خَشِيت أَنْ تَغْلِبَهُ النِّسَاءُ فَذَكَرُوهُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ حَتَّى أَقْبَلَ أَبُو أَيُّوبَ، وَفِيهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَقْسَمْت عَلَيْك لَتَرْجِعَنَّ فَقَالَ: وَأَنَا أَعْزِمُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أَدْخُلَ يَوْمِي هَذَا ثُمَّ انْصَرَفَ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ أَنَّ رَجُلًا دَعَا ابْنُ عُمَرَ إلَى عُرْسٍ فَإِذَا بَيْتُهُ قَدْ سُتِرَ بِالْكُرُورِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ يَا فُلَانُ مَتَى تَحَوَّلَتْ الْكَعْبَةُ فِي بَيْتِك ثُمَّ قَالَ لِنَفَرٍ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَهْتِكَ كُلُّ رَجُلٍ مَا يَلِيهِ، وَالْحَدِيثُ وَمَا قَبْلَهُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ سَتْرِ الْجُدْرَانِ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا تَسْتُرُوا الْجُدُرَ بِالثِّيَابِ»، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ مَوْقُوفًا أَنَّهُ أَنْكَرَ سَتْرَ الْبَيْتِ فَقَالَ مَحْمُومٌ بَيْتُكُمْ أَوْ تَحَوَّلَتْ الْكَعْبَةُ ثُمَّ قَالَ لَا أَدْخُلُهُ حَتَّى يُهْتَكَ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ جَزَمَ جَمَاعَةٌ بِالتَّحْرِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute