. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ " يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ؛ وَأَبُو دَاوُد أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ "، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا شَيْئًا فَهُوَ مُرْسَلٌ؛ وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ مُرْسَلٌ؛ قَالَ الْمُصَنِّفُ: رُوِيَ مِنْ عَشْرَةِ أَوْجُهٍ عَنْ عَائِشَةَ "، أَوْرَدَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافَاتِ وَضَعَّفَهَا.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ قَبْلَ نُزُولِ الْوُضُوءِ مِنْ اللَّمْسِ.:
إذَا عَرَفْت هَذَا، فَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَمْسَ الْمَرْأَةِ وَتَقْبِيلَهَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَالْحَدِيثُ مُقَرِّرٌ لِلْأَصْلِ، وَعَلَيْهِ الْهَادَوِيَّةُ جَمِيعًا، وَمِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وَذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ لَمْسَ مَنْ لَا يَحْرُمُ نِكَاحُهَا نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} فَلَزِمَ الْوُضُوءُ مِنْ اللَّمْسِ؛ قَالُوا: أَوْ اللَّمْسُ حَقِيقَةً فِي الْيَدِ، وَيُؤَيِّدُ بَقَاءَهُ عَلَى مَعْنَاهُ قِرَاءَةُ {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي مُجَرَّدِ لَمْسِ الرَّجُلِ مِنْ دُونِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَرْأَةِ فِعْلٌ، وَهَذَا يُحَقِّقُ بَقَاءَ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، فَقِرَاءَةُ {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} كَذَلِكَ، إذْ الْأَصْلُ اتِّفَاقُ مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ.
وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لِلْقَرِينَةِ، فَيُحَوَّلُ عَلَى الْمَجَازِ، وَهُوَ هُنَا حَمْلُ الْمُلَامَسَةِ عَلَى الْجِمَاعِ، وَاللَّمْسُ كَذَلِكَ، وَالْقَرِينَةُ حَدِيثُ عَائِشَةَ " الْمَذْكُورُ، وَهُوَ إنْ قُدِحَ فِيهِ بِمَا سَمِعْت فَطُرُقُهُ يُقَوِّي بَعْضُهُ بَعْضًا؛ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ " فِي الْبُخَارِيِّ فِي «أَنَّهَا كَانَتْ تَعْتَرِضُ فِي قِبْلَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِذَا قَامَ يُصَلِّي غَمَزَهَا فَقَبَضَتْ رِجْلَيْهَا؛ أَيْ عِنْدَ سُجُودِهِ، وَإِذَا قَامَ بَسَطَتْهُمَا»، فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ حَدِيثَ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ، وَيُؤَيِّدُ بَقَاءَ الْأَصْلِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ اللَّمْسُ بِنَاقِضٍ.
وَأَمَّا اعْتِذَارُ الْمُصَنِّفِ فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ حَدِيثِهَا هَذَا، بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ بِحَائِلٍ، أَوْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ، فَإِنَّهُ بَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ، وَقَدْ فَسَّرَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُلَامَسَةَ بِالْجِمَاعِ: وَفَسَّرَهَا حَبْرُ الْأُمَّةِ ابْنُ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْمَدْعُوُّ لَهُ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّأْوِيلَ، فَأَخْرَجَ عَنْهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ " أَنَّهُ فَسَّرَ الْمُلَامَسَةَ بَعْدَ أَنْ وَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ أَلَا وَهُوَ النَّيْكُ، وَأَخْرَجَ عَنْهُ الطَّسْتِيُّ أَنَّهُ سَأَلَهُ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ " عَنْ الْمُلَامَسَةِ، فَفَسَّرَهَا بِالْجِمَاعِ، مَعَ أَنَّ تَرْكِيبَ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَأُسْلُوبَهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُلَامَسَةِ الْجِمَاعُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى عَدَّ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ التَّيَمُّمِ الْمَجِيءَ مِنْ الْغَائِطِ تَنْبِيهًا عَلَى الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَعَدَّ الْمُلَامَسَةَ تَنْبِيهًا عَلَى الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ مُقَابَلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ بِالْمَاءِ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} وَلَوْ حُمِلَتْ الْمُلَامَسَةُ عَلَى اللَّمْسِ النَّاقِضِ لِلْوُضُوءِ لَفَاتَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ التُّرَابَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَاءِ فَيَرْفَعُهُ لِلْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، وَخَالَفَ صَدْرَ الْآيَةِ. وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفَاصِيلُ لَا يَنْتَهِضُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute