١٠٠٣ - وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ كَانَ دَمِيمًا، وَأَنَّ امْرَأَتَهُ قَالَتْ: لَوْلَا مَخَافَةُ اللَّهِ إذَا دَخَلَ عَلَيَّ لَبَصَقْت فِي وَجْهِهِ»
١٠٠٤ - وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ خُلْعٍ فِي الْإِسْلَامِ
{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فَإِنَّ الْمُرَادَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، وَهُنَا قَدْ تَعَذَّرَ الْإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ لِطَلَبِهَا لِلْفِرَاقِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ الْخُلْعُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، وَأَنَّ الْمُوَاطَأَةَ عَلَى رَدِّ الْمَهْرِ لِأَجْلِ الطَّلَاقِ يَصِيرُ بِهَا الطَّلَاقُ خُلْعًا، وَاخْتَلَفُوا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ فَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ لَفْظٌ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا الزَّوْجُ فَكَانَ طَلَاقًا، وَلَوْ كَانَ فَسْخًا لَمَا جَازَ عَلَى غَيْرِ الصَّدَاقِ كَالْإِقَالَةِ، وَهُوَ يَجُوزُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَدَلَّ أَنَّهُ طَلَاقٌ، وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ فَسْخٌ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا أَقْوَى دَلِيلٍ لِمَنْ قَالَ إنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ، وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ إذْ لَوْ كَانَ طَلَاقًا لَمْ يَكْتَفِ بِحَيْضَةٍ لِلْعِدَّةِ، وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ فَسْخٌ بِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الطَّلَاقَ فَقَالَ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} ثُمَّ ذَكَرَ الِافْتِدَاءَ ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فَلَوْ كَانَ الِافْتِدَاءُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا مِنْ بَعْدِ زَوْجٍ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّابِعُ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَعَهَا قَالَ نَعَمْ يَنْكِحُهَا فَإِنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، ذَكَرَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَآخِرِهَا، وَالْخُلْعُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَلَيْسَ الْخُلْعُ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ثُمَّ قَرَأَ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَقَدْ قَرَّرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ فِي مِنْحَةِ الْغَفَّارِ حَاشِيَةِ ضَوْءِ النَّهَارِ، وَوَضَّحْنَا هُنَاكَ الْأَدِلَّةَ، وَبَسَطْنَاهَا ثُمَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ طَلَاقٌ يَقُولُ إنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلزَّوْجِ الرَّجْعَةُ لَمْ يَكُنْ لِلِافْتِدَاءِ بِهَا فَائِدَةٌ، وَلِلْفُقَهَاءِ أَبْحَاثٌ طَوِيلَةٌ، وَفُرُوعٌ كَثِيرَةٌ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخُلْعِ، وَمَقْصُودُنَا شَرْحُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ زِدْنَا عَلَى ذَلِكَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ.
(وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ كَانَ دَمِيمًا، وَأَنَّ امْرَأَتَهُ قَالَتْ لَوْلَا مَخَافَةُ اللَّهِ إذَا دَخَلَ عَلَيَّ لَبَصَقْت فِي وَجْهِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتٍ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ رَأْسِي وَرَأْسُ ثَابِتٍ أَبَدًا إنِّي رَفَعْتُ جَانِبَ الْخِبَاءِ فَرَأَيْته أَقْبَلَ فِي عِدَّةٍ فَإِذَا هُوَ أَشَدُّهُمْ سَوَادًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute