للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طَلَاقٍ آخَرَ وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ تَغَيُّرَ أَحْوَالِ النَّاسِ وَغَلَبَةِ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ رَأَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ أَنْ يُجْرِيَ الْمُتَكَلِّمَ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى ضَمِيرِهِ، وَهَذَا الْجَوَابُ ارْتَضَاهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ أَصَحُّ الْأَجْوِبَةِ.

(قُلْت):، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِكَوْنِ نَهْيِ عُمَرَ رَأْيًا مَحْضًا وَمَعَ ذَلِكَ فَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي كُلِّ عَصْرٍ فِيهِمْ الصَّادِقُ وَالْكَاذِبُ وَمَا يُعْرَفُ مَا فِي ضَمِيرِ الْإِنْسَانِ إلَّا مِنْ كَلَامِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيُحْكَمُ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ بِأَيَّةِ عِبَارَةٍ وَقَعَتْ.

(الرَّابِعُ): أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَانَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي كَانَ يُوقَعُ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ إنَّمَا كَانَ يُوقَعُ فِي الْغَالِبِ وَاحِدَةً لَا يُوقَعُ ثَلَاثًا فَمُرَادُهُ أَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ الَّذِي تُوقِعُونَهُ ثَلَاثًا كَانَ يُوقَعُ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ وَاحِدَةً فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ بِمَعْنَى لَوْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى حُكْمِ مَا شُرِعَ مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ، وَهَذَا الْجَوَابُ يَتَنَزَّلُ عَلَى قَوْلِهِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ تَنَزُّلًا قَرِيبًا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارَ عَنْ اخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ لَا فِي وُقُوعِهِ فَالْحُكْمُ مُتَقَرِّرٌ، وَقَدْ رَجَّحَ هَذَا التَّأْوِيلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَنَسَبَهُ إلَى أَبِي زُرْعَةَ وَكَذَا الْبَيْهَقِيُّ أَخْرَجَهُ عَنْهُ قَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَا تُطَلِّقُونَ أَنْتُمْ ثَلَاثًا كَانُوا يُطَلِّقُونَ وَاحِدَةً.

(قُلْت): وَهَذَا يَتِمُّ إنْ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي عَصْرِ النُّبُوَّةِ إرْسَالُ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَحَدِيثُ أَبِي رُكَانَةَ وَغَيْرِهِ يَدْفَعُهُ وَيَنْبُو عَنْهُ قَوْلُ عُمَرَ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَضَى فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ حَتَّى رَأَى إمْضَاءَهُ، وَهُوَ دَلِيلُ وُقُوعِهِ فِي عَصْرِ النُّبُوَّةِ لَكِنَّهُ لَمْ يَمْضِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ دَفْعَةً نَادِرًا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ.

(الْخَامِسُ): أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْحَدِيثِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ أَنْ كُنَّا نَفْعَلُ - وَكَانُوا يَفْعَلُونَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ.

(السَّادِسُ): أَنَّهُ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ " طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً " هُوَ لَفْظُ أَلْبَتَّةَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَكَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ رُكَانَةَ فَكَانَ إذَا قَالَ الْقَائِلُ ذَلِكَ قَبْلَ تَفْسِيرِهِ بِالْوَاحِدَةِ وَبِالثَّلَاثِ فَلَمَّا كَانَ فِي عَصْرٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ التَّفْسِيرُ بِالْوَاحِدَةِ قِيلَ: وَأَشَارَ إلَى هَذَا الْبُخَارِيُّ، فَإِنَّهُ أَدْخَلَ فِي هَذَا الْبَابِ الْآثَارَ الَّتِي فِيهَا أَلْبَتَّةَ وَالْأَحَادِيثَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِالثَّلَاثِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ أَلْبَتَّةَ إذَا أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ عَلَى الثَّلَاثِ إلَّا إذَا أَرَادَ الْمُطَلِّقُ وَاحِدَةً فَيُقْبَلُ فَرَوَى بَعْضُ الرُّوَاةِ أَلْبَتَّةَ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ يُرِيدُ أَنَّ أَصْلَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ طَلَاقُ أَلْبَتَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ» إلَى آخِرِهِ.

(قُلْت): وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا التَّأْوِيلِ وَتَوْهِيمِ الرَّاوِي فِي التَّبْدِيلِ وَيُبْعِدُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>